عيون القلب سهرانة

عيون القلب سهرانة

12 فبراير 2016
لا يعرفون أنّ بيننا نجاة وهدوءاً وأسراراً مبلوعة (Getty)
+ الخط -

إلى مصطفى..

كلّما استمعتُ إلى نجاة الصغيرة، أرى عينيكَ وقد همّتا بإفراز دموع. كأنّ هذه المرأة أمٌّ تجعلك تغفو على صوتها. أحبّ اليوم أشياء كثيرة لطالما نفرتُ منها في صغري. نجاة وأم كلثوم والشيخ إمام والكوسا المحشي وغيرها. إلا القهوة. ربّما لأنها لا تعني لكَ شيئاً. كنتَ تحلّيها. وهذه الحلاوة لم تقرّبك ولم تقرّبني منها. تغنّي نجاة فأطمئن إلى أنّك بخير، وربّما سعيد. لا تسمعها أنت البعيد عن كلينا، لكن عينَيّ تلمعان، وستراهما في سماء البلد الذي تعيش فيه. نحن في بلدَين مختلفَين، لكن السماء واحدة.

---

"كيفَ حالكِ؟ اشتقتُ إليكِ كثيراً". ولم تنسَ في كل تسجيلاتك أن توصيني بأمي. "ديري بالك على أمك (انتبهي لها)". هل كنتَ تضع صورنا أمامك قبل أن تخاطبنا واحداً تلو الآخر. أمي وأنا وأختي وأخي. ماذا أقول؟ الكاسيت يجبركَ أن تكون بخير. "أنا بخير وسأعتني بأمي". أمس، سخر تلاميذ منّي لارتدائي معطفاً سميكاً. رأيتهم يتهامسون ويضحكون. برأيهم، لم يكن يستدعي الطقس معطفاً كهذا. لم أقل شيئاً. بلعت الكلمات جميعها، وهي ما زالت في داخلي لم تُهضم. وفي يوم آخر، لحق بي شاب إلى السينما. لم أحبّ أصحاب البشرة البيضاء يوماً. أتعرف ذلك؟ لكنه بدا وسيماً. ولأنكَ كنتَ توصيني بأن أنتبه إلى نفسي أيضاً، لم أردّ عليه. وكم كنت أرغب في ذلك. في ذلك اليوم، لمعت عيناي، وكأنني أستمع إلى نجاة. أردتُ إخبارك بأنني أكبر، وصار لديّ معجبون. بلعتُ جميع الكلمات أيضاً. خشيتُ أن تخاف عليّ أكثر. كبرتُ وما زلتُ أكبر، وصوتكَ محفوظ في الكاسيت وفي رأسي، والكلمات عالقة. هذه هي الغربة.

---

تسجيل.. السبت 13 فبراير/ شباط 2016. لم أحفظ أياً من هذه الأشرطة، ولم أسأل أمي عنها. كانت تربكني. أنتَ أبي لكن صوتكَ بعيد، يقطن في آلة. هؤلاء الجالسون قربي يملون عليّ العبارات. قولي "الله يخليك فوق راسنا". كرهتُ العبارات الجاهزة والمتوارثة. لا يعرفون أنّ بيننا نجاة وهدوءاً وأسراراً مبلوعة. أريدكَ أن تبقى، لكن ما في القلب يخرج إلى العيون ويضيئها.

---

هدوؤك في داخلي. أصمتُ كثيراً وأحكي في قلبي. لا أعرف إن كان قلبكَ يحكي أيضاً، لكنه يعيش في سلام أحسده. أرى نفسي طفلةً وضعت والدتها عصبة بيضاء على جبينها. أنظر إلى نفسي وأشعر بأنني طفلتكَ. كأنني هي في هذه اللحظة. كانت هي أيضاً، تحكي في قلبها.
هل أسجّل كلماتي على كاسيت؟ أتراها تخرجُ مني وتأخذ مكانها وحدها؟ أم تفضّل أن تدخل إلى قلبي. لا هذا ولا ذاك. سنستمع إلى نجاة، ولن أسمح لكَ أن تغفو. سأجلس في حضنكَ وأغفو وأنتَ تدندن معها "عيون القلب سهرانة ما بتنمش".

اقرأ أيضاً: "شو بكي؟"

دلالات

المساهمون