موت في الثلاجة

موت في الثلاجة

27 نوفمبر 2015
تبدو هذه رومانسيّة لا طائل منها (Getty)
+ الخط -

ما هو هذا الذي يُبقينا على قيد الحياة؟ الحياةُ نفسها؟ ربّما. قهوةُ الصباح في ذلك المقهى العتيق على الرصيف؟ تبدو هذه رومانسيّة لا طائل منها هنا أو في أي مكان آخر، طالما أن كلّ شيء سينتهي. حتى الذكريات تزول في لحظة موت. ما الفائدة من أن يحفظها شخصٌ من دون أن يكون قادراً على مشاركتها مع جثّة؟

ماذا لو عكسنا السؤال؟ ما قد يقودك إلى الموت؟ المرض أو حادث سيارة أو انفجار أو حرب أو سقطة من مكان مرتفع أو.. وهذا يعني أن عدم وقوع الحدث يُبقينا على قيد الحياة. ببساطة، إنه عمرنا الذي لم ينته بعد. هذا ما تقوله جدّات وأمهات كثيرات، وخصوصاً المؤمنات منهن. وما الحاجة إلى البكاء على حقيقةٍ إذاً؟

تنتهي أعمارٌ كثيرة اليوم. وإن كان الموتُ يحدثُ دائماً وفي كلّ مكان، إلّا أنه يبقى هناك خاصيّة في هذه المرحلة التي نعيشها. ما يحدث في العالم اليوم لم يرتقِ إلى تسمية حربٍ عالمية ثالثة. ما زالَ هناك حدود لتحليق الطائرات الحربية في السماء. لا قنابل ذريّة بعد. قُدّر عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية بأكثر من 60 مليون قتيل، مثّلوا في ذلك الوقت أكثر من 2.5 في المائة من إجمالي عدد السكان في العالم. أرقام اليوم تعدّ ضئيلة قياساً على رقم الـ 60 هذا.

في سورية وحدها على سبيل المثال، كان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أعلن في فبراير/شباط الماضي أن عدد القتلى منذ نشوب الحرب تجاوز الـ 210 آلاف، وإن لفت إلى أن الرقم قد يكون أعلى من ذلك بكثير. وإذا ما جمعنا عدد الضحايا في الدول التي تُعاني من اضطرابات أمنيّة أو حروب ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فلن تصل إلى رقم الـ 60 مليون على الأرجح.

إحدى التسميات تقول إننا ننضوي في حربٍ باردة. وحتى في حربٍ كهذه، يموت كثيرون دفعةً واحدة. الصدفة وحدها تجعل أعمارهم تنتهي سوية. ماذا لو غيّرنا التسمية إلى موتٍ بارد. أصلاً ما الفرق بين وقوع الحرب وانتظارها؟ وما الفرق بين الموت وانتظاره؟ لا شيء. الموتُ محفوظ داخل ثلاجةٍ في كل بيت. يوماً بعد يوم، يخرج أحدهم موته منها، ويذهبان معاً إلى قبرٍ، إذا ما وجداه. وقد يدفنان في مخيّم الموت، أو المقبرة الجماعية كما يطلق عليها. أو ليست مخيماً؟

لسنا أحياء إذا ما كان علينا عزل أنفسنا عن كلّ شيء. أن ننسى مثلاً أن هناك حرباً في منطقة أخرى أو بلد آخر. يجدرُ بنا نسيان أيضاً أننا ربما مرضى، أو عاطلون عن العمل، أو جائعون. هذا فقط ما يجعلنا أحياء، قبلَ أن نضيف التفاصيل والذكريات لنتحوّل إلى أحياء مع قصص، بانتظار إخراج موتنا من الثلاجة.

اقرأ أيضاً: البرغل شنق حاله

المساهمون