كريستالينا جورجييفا Kristalina Georgieva، بلغارية الأصل، تشغل منصب الرئيس التنفيذي للبنك الدولي منذ شهر يناير 2017. زارت القاهرة، أمس الثلاثاء، لأهداف انتخابية بحتة.
فالسيدة مرشحة لمنصب مدير عام صندوق النقد الدولي ضمن قائمة طويلة من المرشحين، وتسعى للفوز بالمنصب الشاغر، بانتقال كريستين لاغارد إلى منصب محافظ البنك المركزي الأوروبي.
ومن الطبيعي أن تسعى المرشحة البلغارية لإقناع الدول الأعضاء المساهمة في صندوق النقد، ومن بينها مصر ودول الخليج وغيرها، بدعمها للمنصب الذي يعد أرفع منصب مالي في العالم.
كان من الممكن أن تتم الزيارة من دون أن تكتب وسيلة إعلام مصرية أو دولية سطراً واحداً عن السيدة وسبب قدومها لمصر، لأنه لا جديد فيها يهم المواطن المصري، فمصر ليس لها مرشح للمنصب الشاغر بالصندوق، وهي تنتخب عادة المرشح المدعوم من القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
وقد حظيت جورجييفا يوم الجمعة بثقة أعضاء الاتحاد الأوروبي، كما أن علاقة مصر بصندوق النقد انتهت بصرف أخر شريحة من قرض بقيمة 12 مليار دولار.
لكن الحكومة المصرية رأت أن الزيارة فرصة ذهبية للحصول على تصريحات من المرشحة لمنصب مدير صندوق النقد الدولي تتحدث فيها عن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي، وأن البرنامج بات ملهماً لكل التجارب المماثلة في دول العالم.
وهذا ما انعكس في عناوين الصحف الصادرة أمس والتي جاءت شبه متطابقة، ومن بين هذه العناوين:
- "رئيسة البنك الدولي: برنامجكم الإصلاحي "ملهِم".. "مصر نموذجًا يُحتذى في هذا المجال".
- "الرئيس التنفيذي للبنك الدولي: تجربة مصر في الإصلاح الاقتصادي ناجحة وملهمة".
- "البنك الدولي: مصر نموذج يحتذى به في الإصلاح الاقتصادي".
- "البنك الدولي: مصر نموذج يُشار إليه خلال المفاوضات مع الدول الراغبة في تبنّي برنامج إصلاح اقتصادي".
- "رئيسة البنك الدولي: مصر محطتي الأولى لـ"صندوق النقد".
والملفت أنه عندما تطالع تفاصيل تصريحات كريستالينا جورجييفا تجد أنها أقرب للبروتوكولية، فالسيدة قالت إنها سوف تسعى، في حال فوزها بمنصب مدير عام صندوق النقد الدولي، إلى تعزيز تعاون الصندوق مع أفريقيا، من أجل مساعدة دول القارة على تحقيق مستهدفات التنمية وتقديم كل أشكال الدعم الفني الممكن، كلام عام.
أما تصريحاتها عن مصر، والتي جاءت على لسانها كما ذكرت الصحف، وتعتبر فيها أن تجربة الإصلاح الاقتصادي في مصر ملهمة لكل البرامج المماثلة في دول العالم فتتنافى مع الواقع الذي يقول إن عملة مصر فقدت ما يزيد عن نصف قيمتها في ظل تطبيق برنامج الإصلاح، وأن الدين الخارجي قفز أكثر من ضعفين ليبلغ أكثر من 106 مليار دولار نهاية مارس الماضي، وأن الفقر بلغ معدلات غير مسبوقة، وكذا أسعار السلع والخدمات.
كما أن تصريحات جورجييفا تتناقض مع التقارير الصادرة مؤخراً عن البنك الدولي والتي ترصد مثلاً تنامي معدل الفقر بسبب تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي التقشفي وخفض الدعم الحكومي.
كما انتقد البنك مثلا يوم 16 يوليو 2019، ضعف المخصصات الحكومية لأهم قطاعين خدميين في مصر وهما الصحة والتعليم، وانخفاض مخصصات الرعاية الصحية والتعليم في الموازنة العامة للدولة مقارنة بالقيمة الحقيقية.
كذلك، فإن القطاعين، وحسب البنك الدولي، "لم يستفيدا من وفورات الإصلاحات المالية للحكومة خلال السنوات الماضية، والتي تستهدف مساهمة الخزانة العامة في إجراءات الحماية الاجتماعية، وتحسين مناخ الأعمال، وجذب الاستثمارات الخاصة، منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016".
وفي 2 إبريل 2019 توقّع البنك الدولي أن يواجه الاقتصاد المصري عدة مخاطر خلال العام الجاري، حيث إن الشركات الحكومية الضعيفة على الصعيد المالي ومساهمة الحكومة في برامج المعاشات وارتفاع فوائد الديون، كلها عوامل من شأنها أن تمثل مخاطر مالية على البلاد.
عندما تحقق الحكومات نجاحات على الأرض، فإن النجاحات هي من تتحدث عن نفسها، والمواطن هو أول من يشيد بها، أما في حال عدم إحراز تقدم حقيقي، فإن الحكومات تستعين بالدائنين الدوليين للإشادة بها.