الغلاء يحرم الجزائريين من الذهب

الغلاء يحرم الجزائريين من الذهب

19 مايو 2017
تضاعفت أسعار الذهب بفعل تراجع قيمة العملة (فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد بريق الذهب يُغري الجزائريين كما كان عليه الحال سابقا، فالقفزات التي عرفتها أسعاره مؤخرا ووجود بدائل أخرى لدى الأسر أقل كلفة، قلصت الإقبال على شرائه لغرض الزينة أو الاستثمار فيه أو حتى لاكتنازه لوقت الضيق، كما هو متوارث في المجتمع الجزائري.
وعرفت أسعار المعدن النفيس في الجزائر ارتفاعات متكررة منذ بداية 2016 أوصلت سعر الغرام الواحد إلى ما بين 7 آلاف دينار (63.63 دولاراً) و8 آلاف دينار (72.72 دولاراً)، قبل أن يخفض الركود الذي مس تجارة الذهب سعر الغرام الواحد من الذهب إلى 5 آلاف دينار (45.45 دولاراً) للذهب المحلي ذي 24 قيراطاً.
أما الذهب المستورد الإيطالي الأكثر تداولا في البلاد، فقد انخفض إلى ما دون سبعة آلاف دينار للغرام بعد أن تراوح ما بين ثمانية إلى تسعة آلاف دينار، وهي أسعار تبقى مرتفعة وفوق قدرات شريحة كبيرة من المجتمع في بلد يُقدر فيه الحد الأدنى للرواتب بحدود 18 ألف دينار (163 دولارا).

ويقول عبد الكريم زان الذي يعمل في صناعة الحلي الذهبية في سوق "زنقة العرايس" المشهور بمحافظة البليدة (50 كم جنوب العاصمة) لـ "العربي الجديد"، إن العائلات الجزائرية أصبحت أكثر حرصا في إنفاق أموالها، وتغيرت أولوياتها حيث أصبح السكن وضمان حقوق التعليم لأبنائها أهم الآن، كما أن غلاء المعيشة جعل الكثير من الأسر لا تدخر أموالا كما كان عليه الحال سابقا، وبالتالي نقص الإقبال على شراء الذهب.
وقال محمد صبايحي -بائع مجوهرات بنفس السوق- لـ "العربي الجديد"، إنه يعمل بهذه السوق منذ قرابة 30 سنة، وتعتبر هذه الشهور الأقل إقبالا منذ سنوات طويلة، مضيفا: "حتى في العشرية السوداء (الفترة بين 1990 إلى 2000) كانت العائلات تشتري الذهب للزينة أو لاكتنازه، كما هو معروف في التقاليد الجزائرية واليوم الكثير أصبح يفضل الحلي الذي لا يتعدى وزنه 3 غرامات، أما الأطقم فحدث ولا حرج".

من جانبها، أكدت بعض الأسر التي التقتها "العربي الجديد" في "زنقة العرايس" أن بريق المعدن النفيس لم يعد يجذبها بسبب ارتفاع أسعاره بأربعة أضعاف في غضون ثلاث سنوات، ما جعله خارج حساباتها في الوقت الراهن المتسم بالغلاء وانهيار القدرة الشرائية.
وقالت عائشة (ربة منزل) لـ "العربي الجديد" إن الذهب أصبح شيئا لا يعنيها، وعندما تريد شراء أي حلي من الذهب فإنها تضع شرطين الأول الوزن الخفيف والثاني قبول البائع للأقساط الشهرية، فأسعار الذهب اليوم هي خارج قدرتها الشرائية بعدما تضاعف سعره من 1200 دينار قبل 4 سنوات إلى 5 آلاف دينار في الوقت الحالي.

وإذا كان البيع بالأقساط الشهرية هو الوسيلة التي تساعد بعض العائلات الجزائرية على شراء المعدن النفيس خاصة للمناسبات العائلية كالأفراح، فإن بعض العائلات الأخرى وجدت بدائل أخرى فرضتها الظروف المعيشية، منها تأجير أطقم الذهب أو استعمال بدائل أخرى.
وتقول نادية (ممرضة) لـ "العربي الجديد" إنها أصبحت تشتري الذهب المقلد خاصة المستورد من تركيا لاستعماله في الأفراح والمناسبات العائلية، إذ يصعب التفريق بينه وبين الذهب الحقيقي وبسعر أقل بكثير، حيث لا يتعدى سعر الطاقم الواحد 8 آلاف دينار (72 دولاراً) في أقصى الحالات. وأضافت أن الكثير من العائلات باتت تتجه لتأجير أطقم الذهب أو شراء الذهب المقلد، في ظل عجزها عن الشراء.

ويرى المتتبعون للنمط الاستهلاكي في المجتمع الجزائري، أن نفور الجزائريين من شراء الذهب قصرا بسبب ارتفاع سعره، يعتبر حلقة في سلسلة تغيرات فرضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد منذ قرابة ثلاثة سنوات، أي منذ بداية ما يعرف بـ "أزمة النفط"، إذ جعلت المخاوف من انهيار الاقتصاد بالإضافة إلى تدني القدرة الشرائية من الأسر تغير من سلوكها الاستهلاكي والإنفاقي بنحوٍ يتميز بالعقلانية أحيانا وبالحتمية في أحيان أخرى.
وفي السياق، يرى الخبير الاجتماعي وأستاذ علم الاجتماع الاقتصادي بجامعة مستغانم، عثمان جليجل، أن الأسر الجزائرية تحولت من الاستهلاك التفاخري إلى استهلاك الأولوية، وأن ما يحدث مع الذهب هو نوع من هذا التحول، فطيلة عقود كان اقتناء الذهب يتم لغرضين التفاخر واكتنازه لوقت الحاجة، أما اليوم ارتفاع سعر الذهب جعل العائلات تتجه نحو أمور كانت لا تقبلها سابقا مثل الشراء بالأقساط أو استئجار الذهب.

ويضيف الخبير الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المجتمع الجزائري يعيش تحولا كبيرا فيما يتعلق بثقافته الاستهلاكية، فرضته الأزمة المالية، حيث تنازلت العائلات عن الذهب وقبله الكثير تخلى عن العطل السنوية، فيما لم تعد عشرات آلاف الأسر تقتني الكماليات من تجديد للأثاث وغير ذلك من العادات الاستهلاكية.
وتعاني الجزائر من ضائقة مالية حادة بسبب تراجع أسعار النفط الذي تعتمد عليه ميزانية الدولة، منذ منتصف عام 2014. وتشير البيانات الرسمية إلى سرعة تآكل احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي، وسط توقعات بلوغ العجز في الميزانية العامة 30 مليار دولار، وأكثر من 15 مليار دولار عجزاً في الميزان التجاري.


(الدولار الأميركي يساوي 110 دنانير جزائرية)


المساهمون