الريال والبايرن في ميزان التكتيك.. لقاء على طريقة "البلايستيشن"

الريال والبايرن في ميزان التكتيك.. لقاء على طريقة "البلايستيشن"

19 ابريل 2017
ريال مدريد تأهّل إلى نصف النهائي بصعوبة (Getty)
+ الخط -


عندما تشارك أصدقاءك مباراة في ألعاب الفيديو، سيشاهد المتفرجون لقاء مفتوحاً مع فرص بالجملة وأهداف غزيرة، وهذا ما حدث بالنص في قمة الإياب بين ريال مدريد وبايرن ميونخ على ملعب سانتياغو برنابيو، من خلال 120 دقيقة مفتوحة أمام نجوم الفريقين، لا قوانين ولا قواعد، هجمات متبادلة هنا وهناك فقط، وقرارات الحكم فيكتور كاساي فقط كانت بمثابة الحدث الأكثر جدلا بين الجماهير، بعد النهاية بصعود الريال إلى نصف النهائي وخروج البافاري من الربع للمرة الأولى منذ سنوات.

ليس بالضرورة أن الفريق الأفضل هو من يفوز، هذه هي المقولة الصادقة عطفاً على مجريات الإياب، فالبايرن خرج فائزا في الوقت الأصلي، لكنه نال هزيمة قاسية في الإضافي، بعد طرد فيدال وخروجه في توقيت حرج، ليكمل أنشيلوتي الليلة منقوصا من لاعب، ويستغل زيدان الفرصة، ليحقق لاعبوه أجمل انتفاضة ممكنة في لحظات الحسم، بثلاثة أهداف في أقل من عشر دقائق.

بداية صاروخية
بدأ البايرن المباراة بشكل أفضل، خصوصاً في أول 20 دقيقة، مع طريقة لعبه المفضلة 4-3-3 لكن مع تمركز ليفاندوفيسكي كمهاجم صريح داخل منطقة الجزاء، مع روبين وريبيري لفتح الملعب عرضيا، لتكون الحماية عن طريق الثلاثي تياغو وفيدال وألونسو في المنتصف أمام الرباعي الأخير في الدفاع. بينما خرج زيدان قليلا عن المألوف، بوضع إيسكو مكان بيل المصاب على الورق فقط، مع الدخول برسم خططي قريب من 4-1-3-2 وليس 4-4-2 التي يلعب بها الريال في لحظات الطوارئ كعادته.

وضع زيزو لاعبه كاسيميرو في الارتكاز الدفاعي، وأمامه توني كروس أعلى دائرة المنتصف مع إيسكو ومودريتش بينهما يسارا ويمينا. وتسبب هذا النموذج الخططي في مشاكل دفاعية قوية للريال، لأن البايرن يعتمد كليا على أطرافه في الهجوم، وبالتالي أصبحت المسافة كبيرة بين مودريتش وكارفخال يمينا، وإيسكو ومارسيلو يسارا، ليتحرك الثنائي ريبيري وروبين بأريحية مع تقدم الظهيرين لام وألابا في البدايات.

ربما أراد المدرب الفرنسي وضع الضغط على منطقة ارتكاز بايرن، بالحصار الرباعي كلما استلم ألونسو الكرة، حتى يفصل تياغو تماما عن زملائه، لكن تسبب هذا القرار في مشاكل دفاعية واضحة أسفل الأطراف دفاعيا، ليحصل الضيوف على أكثر من هجمة في الربع ساعة الأولى، حتى عاد الريال في المباراة من جديد بالتحول إلى 4-4-2 الصريحة، بتمركز مودريتش وإيسكو على الطرف تماما من دون الكرة، حتى تتم مقابلة هجوم البافاري بثنائي مدريدي تجاه الخط الجانبي من الملعب.

عودة الملكي
كما قلنا مسبقا فإن المباراة شهدت تحرراً تكتيكياً كبيراً، وهجوماً شاملاً متبادلاً وتنظيماً دفاعياً شبه معدوم من الجانبين، خصوصا مع زيادة نسق اللعب وصعوبة الحفاظ على نفس معدل الركض طوال الدقائق. فالثنائي روبين وريبري فوق الثلاثين، وبالتالي مسألة عودتهما إلى الخلف في كل هجمة بيضاء أمر أقرب للمستحيل، لذلك حصل مارسيلو وكارفخال على أمتار واسعة للزيادة الهجومية، خصوصا مع الربط المستمر من جانب رونالدو وبنزيمة، ثنائي الهجوم المتحرك الذي لا يقف بالقرب من صندوق العمليات فقط.


تضاعفت مشاكل البايرن في المنطقة 14 بالملعب، أي المنطقة الفاصلة بين دفاعه وخط وسطه، نتيجة ثقل ألونسو في الحركة والارتداد، لدرجة أن فيدال لعب معظم الوقت كلاعب ارتكاز صريح في نصف ملعبه، حتى يساعد زميله الإسباني في افتكاك الكرات. ومع حركة بنزيمة المستمرة خلف وسط بايرن وأمام دفاعه، حصل الريال على فرص خطيرة من الزيادة العددية في العمق أمام منطقة الجزاء، ليسدد كروس أكثر من كرة ويقترب الفريق من التسجيل في بعض المحاولات الخطيرة.

خرجت المباراة عن السيطرة قبل نهاية الشوط الأول، من خلال استغلال صعود ظهيري الريال ليشن البايرن هجمات معاكسة، ثم استحواذ أصحاب الأرض على الكرة في نصف ملعب خصمهم، وضرب تمركز ألونسو في أكثر من فرصة، ليضيع الفريقان فرصاً عديدة مع الحفاظ على نظافة الشباك من الحارسين حتى فترة الاستراحة.

مودريتش
يمتاز لوكا مودريتش بمستوى استثنائي في المباريات الكبيرة، يعرف الكرواتي كيف يحتفظ بالكرة تحت ضغط، وينقل الهجمة مستخدماً ذكاءه الاعتيادي في التمرير وهزيمة المدافعين بالحركة والتمركز، لكن وجود لاعب الوسط على الطرف قليلاً أضر بفريقه بعض الشيء في الشوط الثاني، لأنه عاد خطوات إلى الخلف على مقربة من كارفخال، لتصبح المسافة شاسعة بينهما وبين بقية لاعبي الريال، ويتم إجبار كاسيميرو على ترك المحور باستمرار للمساندة على الأطراف، ما جعل هجوم البايرن أخطر وأشمل وأدق مقارنة بالشوط الأول.

اخترق البايرن الجبهة اليمنى للريال في أكثر من فرصة قبل هدف التقدم من ليفاندوفيسكي، وأضاع لاعبوه هدفا محققا بعد ضربة الجزاء أيضا، ليدخل أسينسيو مكان بنزيمة ثم فاسكيز بدلا من إيسكو، ويتحول الميرينغي إلى 4-5-1 الدفاعية، بوجود ثنائي من الأطراف الصريحة على كل جانب، والاعتماد فقط على رونالدو في قلب الهجوم كمهاجم وحيد، حتى يستطيع لاعبوه مواجهة هجمات البايرن من كل صوب واتجاه.

أساء أنشيلوتي استخدام تغييراته في المقابل، فكان يجب عليه الدفع بدوغلاس كوستا مكان ألونسو أو فيدال مباشرة، أو حتى يضحي بأحد المدافعين في سبيل الزيادة العددية الهجومية، لأن الريال يهاجم فقط بلاعب واحد صريح والبقية في الوسط، أو حتى صعود لام إلى الوسط مكان فيدال صاحب البطاقة الصفراء، والاعتماد على كيميتش كظهير أيمن صريح، لكن الإيطالي قرر التضحية بريبري في سبيل تغيير متوقع وطبيعي للغاية، ليشرك كوستا مكانه على اليسار.

الطرد
ضرب قرار الطرد كل خطط بايرن في مقتل، لأن خروج فيدال جعل المباراة شبه مستحيلة. أن تواجه الريال منقوصا حتى الدقيقة 120 أمر في غاية التعقيد، وزاده أنشيلوتي صعوبة بإدخال كيميتش عوضا عن ليفاندوفيسكي، ليدفع ثمن استبعاده للبرتغالي الشاب ريناتو سانشيز، اللاعب المفيد جدا في مثل هذه الأوقات، لأنه أقرب إلى "البوكس" بينما كيميتش لاعب وسط ممرر قريب من أسلوب تياغو. وحتى بعد مشاركة الصغير كيميتش، وضعه في الوسط وليس على اليمين، ليستمر لام على الطرف طوال 120 دقيقة في انتحار كروي لقائد الفريق الذي خانه عامل السن بالتأكيد.

زادت الفوضى بعد طرد فيدال، لم يتدخل ثنائي المدربين في المجريات إطلاقا، مجرد تعليمات سريعة من الخارج، مع ترك قيادة الدفة للنجوم داخل الملعب، لذلك شاهدنا دقائق مجنونة ولحظات ارتجالية اختلط فيها صوت الجمهور بمشاعر اللاعبين. حتى الريال نفسه لم يستفد من الطرد بشكل مباشر، ليلعب بتحفظ واضح ولا يغامر أبدا، حتى إن بعض المعلقين أكدوا أثناء المباراة بأن الشعور الأولي وكأن المباراة بين 11 ضد 11 أو 10 ضد 10.

أعطت هذه الرفاهية كلاً من روبين ومارسيلو الدفاع للتألق، بسبب وجود مساحات بالجملة في الجانبين، ليقدم الهولندي دقائق رائعة رغم كبر سنه، ويخطف البرازيلي الأضواء من الجميع بفواصل مهارية مميزة، وانطلاقات جريئة بين العمق والأطراف، مستفيدا من انهيار بايرن البدني بعد هدف التعادل لرونالدو، وقتها فقط انتهى كل شيء بالنسبة لبطل ألمانيا، وتحول اللعب إلى طريقة الشارع، بالانتقال من المرمى إلى المرمى الآخر في كل هجمة تقريبا.

تحدث الجميع عن أخطاء تحكيمية كارثية في هذه الجولة، وركز الإعلام على الحكم كاساي بعد المباراة، لكن الحكم التكتيكي الأخير على القمة يجب أن يكون سلبيا، بسبب التدخلات الضعيفة من المدربين للتحكم في سير اللعب، والدليل تسجيل كم هائل من الأهداف الغريبة، سواء بهفوات دفاعية ساذجة أو قرارات من صافرة مشكوك في فعاليتها.

المساهمون