"يافا أم الغريب"... المدينة وبرتقالها قبل النكبة

23 مايو 2024
ميناء مدينة يافا في الثلاثينيات (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فيلم "يافا أم الغريب" يعيد تاريخ يافا الفلسطينية قبل النكبة، مبرزًا دورها كمركز ثقافي واقتصادي بارز، من خلال شهادات سكانها الأصليين والفنانة تمام الأكحل.
- يستعرض الفيلم تاريخ يافا منذ البناء الكنعاني حتى الاحتلال البريطاني، مؤكدًا على أهمية مينائها وتجارة الحمضيات، ويسلط الضوء على تنوعها الثقافي والاجتماعي.
- يبرز الدور الثقافي والفني ليافا، كعاصمة للصحافة في فلسطين ومركز للحياة الفنية والثقافية، مستعرضًا أبرز الصحف والفعاليات الفنية التي كانت تقام فيها.

قدّم المخرج الفلسطيني رائد دزدار، في فيلمه الوثائقي "يافا أم الغريب" وثيقة سينمائية يمكن اعتمادها مرجعاً حول المدينة الساحلية الفلسطينية قبل النكبة، وكيف شكّلت حاضرة ثقافية واقتصادية وسياحية وسياسية. وعرض فيلم دزدار، أخيراً، في مسرح وسينماتك القصبة، ضمن فعاليات "النكبة سردية سينمائية"، التي نظمها المسرح، بالشراكة مع منصة فلسطين الثقافية، تحت رعاية وزارة الثقافة الفلسطينية.

"يافا أم الغريب" وتاريخ فلسطين

في حديث إلى "العربي الجديد"، يلفت المخرج إلى أن غالبية من قابلهم من سكّان يافا، في جغرافيّات عدّة حول العالم، وظهروا في "يافا أم الغريب" رحلوا خلال الأعوام السبعة الأخيرة، ولم يتبقَ منهم على قيد الحياة إلا الفنانة التشكيلية تمام الأكحل، مؤكداً أنه يسعى عبر أفلامه إلى إعطاء موضوع الفيلم حقه بحثاً في الموضوع، ومن ثم في الشخوص.
يشكل تاريخ يافا تصويراً لتاريخ فلسطين، فعمر المدينة يمتد إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد، إذ بناها الكنعانيون، وغزاها الفراعنة والأشوريّون والبابليّون والفرس واليونان والرومان، وفق ما جاء في مطلع الفيلم، الذي لفت إلى أنها خضعت أيضاً لكل الممالك الإسلامية، هي التي لم تسلم من غزو نابليون بونابارت في عام 1799، حيث ارتكب وجنوده مجزرة بشعة بحق أهل المدينة، التي بدأت تتعافى بعد انسحابه وجيشه، وتسلّم الوالي أبو نبّوت الحكم.
ومنذ مطلع القرن التاسع عشر، تبلورت معالم يافا، خاصة الاقتصادية منها، في محورين رئيسيّين: الميناء باعتباره معبراً لفلسطين، وتجارة الحمضيات، خاصة البرتقال الذي لعب دوراً رئيساً في ازدهار المدينة وتطوّرها، هي التي وقعت تحت الحكم المصري بعد سيطرة إبراهيم باشا على فلسطين عام 1830. نمت يافا، وظهرت أحياء جديدة خارج أسوارها المعروفة، وبينها "سكنة درويش"، و"سكنة أبو كبير"، و"تل الريش"، و"ارشيد"، قبل أن تقع تحت الاحتلال العسكري البريطاني منذ عام 1917، أي قبل أن تقع كل فلسطين تحت حكم الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، وحتى احتلال العصابات الصهيونية لها عام 1948، إذ عمد الاحتلال إلى سرقة ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين التي نجت من التدمير في يافا.
يتكئ الفيلم على إعادة بناء فلسطينيي يافا مدينتهم، من خلال روايتهم حكاياتها، متكئين على ذاكرتهم الحيّة، ومنها حديثهم عن الأحياء التي وُلدوا فيها، كحي المنشية، وتلة العرقتنجي، وشارع النزهة، وتلة بيدس، وحي العجمي، علاوة على وسط البلدة القديمة ليافا، لافتين إلى أنها كانت تعجّ بسكّان بلاد الشام، وخاصة لبنان وسورية، وبجنسيّات متعددة من الأجانب، وعرفت بـ"أم الغريب"، لكونها كانت تحتضن كل من يأتيها للإقامة، أو العمل، أو التجارة.
وفي الجانب التعليمي، جرى الحديث عن العديد من المدارس المتميّزة، لكنّ عدداً ممّن ظهروا في الفيلم، انصب تركيزهم على مدرسة الزهراء للإناث، أو العامرية للذكور، من دون إهمال غيرها من المدارس ذات الحضور الطاغي قبل النكبة.

صحف يافا

كانت يافا عاصمة الصحافة في فلسطين، ومن أبرز صحفها اليوميّة والأسبوعية: "فلسطين" التي كان معظم مدققيها اللغويين ومحرّريها من خريجي جامعة الأزهر في غزة، وزارها ساسة ومثقفون وفنانون عرب وعالميّون كثر منذ تأسيسها قبل الحرب العالمية الأولى، إلى جانب صحف "الدفاع"، و"الصراط المستقيم"، و"الشعب"، و"الصريح"، و"نداء الأرض".
واشتهرت يافا أيضاً بأسواقها التجارية، وعلى رأسها: سوق الدير للمواد الغذائية، وسوق الصلاحي، وسوق الدرهلي، وسوق البلابسة في حي العجمي، وسوق شارع إسكندر عوض.
وبصفتها مدينة ساحلية، احتوت يافا عدداً كبيراً من الملاهي العصرية الأوروبية، والمقاهي الشعبية الشرقية، وتخدم شرائح سكّان المدينة كافة، من بينها: مقهى البحّارة، ومقهى البوّاب، ومقهى العجمي، ومقهى المدفع. وإضافة إلى حديث مفصّل في "يافا أم الغريب" عن إنتاج البرتقال، وعن موسم النبي روبين، وإذاعة "الشرق الأدنى"، تطرق أبناؤها، حين كانوا على قيد الحياة، وقت تصوير الفيلم، إلى كيف كانت محطة رئيسة لدى كبار الفنانين العرب منذ نهايات القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ومنهم الفنان المصري الشيخ سيد الصفتي، والفنان الشيخ سلامة حجازي، والفنان المسرحي اللبناني جورج أبيض، وفي وقت لاحق: أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وفتحية أحمد، ونجيب الريحاني، ويوسف وهبي، وصباح، وليلى مراد. يُضاف إلى ذلك، ازدهار الفرق الفنيّة المدرسية مسرحاً وموسيقى وغناء، والفرق والنوادي الرياضية في مختلف المجالات، والفرق الكشفية.

المساهمون