معرض "عمل المرأة": الرواية الأميركية الأخرى

معرض "عمل المرأة": الرواية الأميركية الأخرى

08 سبتمبر 2023
يتطرق المعرض بجزء منه إلى عمل النساء السوداوات (Getty)
+ الخط -

اشتملت أنشطة النساء تاريخياً على أدوار بعينها، غير أن هذا المفهوم التقليدي لعمل النساء قد تطور مع مرور الوقت وتكيف مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية. حدثت هذه التغيرات بفضل جهود العديد من النساء حول العالم، واللواتي استطعن عبر نضال طويل اقتناص حقهن في التعلم والعمل والقيادة.
يمثل المجتمع الأميركي نموذجاً مثالياً لهذه التحولات، فقبل مائة عام فقط كانت النظرة السائدة لعمل المرأة في الولايات المتحدة محملة بالكثير من رواسب الماضي، أما انخراطها في العمل العام فكان أمراً مثيراً للتندر. وكان لحصول النساء الأميركيات على حقهن في الاقتراع والمشاركة السياسية خلال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر عامل مهم في مسيرة تحررهن. فكيف شجعت هذه التحولات التاريخية والسياسية النساء على تجاوز عوائق الانتماء العرقي والطبقة الاجتماعية وتحدي النظرة النمطية لعمل المرأة؟
هذا ما يناقشه المعرض الجديد الذي يستضيفه مركز تاريخ المرأة في نيويورك تحت عنوان "عمل المرأة"، الذي يمتد على مدار عام كامل. يتحدى المعرض السرد التقليدي المحيط بعمل النساء ويقدم رؤية شاملة للتعقيدات التي شكلت أدوار المرأة في المجتمع الأميركي. كما يسلط الضوء على التأثير الكبير للنساء في مختلف المجالات، ونضالهن المستمر من أجل المساواة. يتتبع المعرض هذه التحولات عبر مجموعة من العناصر ذات القيمة التاريخية، إلى جانب العديد من الوثائق والأوراق الرسمية والصور الفوتوغرافية، مؤكداً على تعقيد وتنوع مساهمات النساء في مختلف المجالات.
يشير جانب كبير من المعرض إلى أن عمل المرأة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسة وتحولاتها، فعندما ظفرت النساء الأميركيات مثلاً بحق الاقتراع في بعض المناطق، بدأن بالترشح للمناصب العامة والحصول على مواقع إدارية. أتاحت هذه التحولات للنساء أن يعملن كأعضاءً في مجالس إدارة المدارس، وموظفات في المجالس البلدية، ومشرعات في الولايات وقضاة وأعضاء في الكونغرس، بل وخوض غمار المنافسة على منصب الرئيس. ومع تصاعد وتيرة التغير أظهرت النساء قدرتهن على القيام بالأدوار المخصصة تقليدياً للرجال، كما مثلت هذه التحولات المحورية تحدياً للأدوار الصارمة بين الجنسين، وألهمت المزيد من الأصوات المطالبة بإتاحة الفرصة لعمل النساء في كافة المجالات.
بين المعروضات يبرز شعار الحملة الانتخابية لدعم ترشيح شيرلي تشيشولم (1924 – 2005 ) للرئاسة، وهي أول امرأة سوداء تنتخب لعضوية الكونغرس. وتعد تشيشولم أيضاً أول امرأة سوداء تخوض انتخابات الحزب الديمقراطي لمنصب مرشح رئاسة الولايات المتحدة في سنة 1972.
أحد الجوانب الأساسية للمعرض هو استكشافه لكيفية تأثير الهوية والعرق على عمل المرأة. لقد لعب الانتماء العرقي والطبقة الاجتماعية دوراً مهماً في تشكيل الفرص المتاحة لمجموعات مختلفة من النساء. بالنسبة للنساء ذوات البشرة الملونة، وخاصة النساء السود ونساء السكان الأصليين، فقد أدت العنصرية المنهجية والممارسات التمييزية إلى تفاقم التحديات التي واجهنها في الوصول إلى مهن معينة والحصول على الاعتراف بعملهن. علاوة على ذلك، فإن الفروق الطبقية كانت تحدد في كثير من الأحيان نوع العمل المتاح للنساء، إذ تولت نساء الطبقة العاملة تاريخياً أدواراً في المصانع، بينما تابعت نساء الطبقة المتوسطة والعليا وظائف التدريس والتمريض.
بين المعروضات مهد خشبي يعود إلى بدايات القرن التاسع عشر. يشير المهد الخشبي إلى أدوار الرعاية التي كانت تضطلع بها غالباً النساء من أصول أفريقية. تقول منسقة المعرض دانزيغر هالبرين إن رعاية الأطفال هي أحد الأنشطة التي تتبادر إلى الذهن حين يذكر عمل المرأة. ويأتي عرض هذا المهد كنوع من التذكير بهذا التنميط الذي لطالما حوصرت فيه النساء من أصول أفريقية، واللواتي كن يضطلعن غالباً بمهمة رعاية أطفال العائلات الثرية من البيض.

حتى الستينيات والسبعينيات كانت النساء من الطبقة المتوسطة أو النخبة لا يعملن غالباً، بينما تُجبر ظروف المعيشة النساء السود والملونات على العمل لدى عائلات النخبة البيضاء الثرية. يضم المعرض تشكيلة متنوعة من الأعمال اليدوية المُزينة بالخرز كالوسادات والمفارش والقبعات المزينة بزهور حريرية. هذه المصنوعات اليدوية كان يتم بيعها كتذكارات صغيرة من قبل النساء في مجموعات السكان الأصليين خلال القرن التاسع عشر. هذه المهن كانت تمثل ملاذاً لهؤلاء السكان الذين كان يتم دفعهم للخروج من أراضيهم التاريخية وهجرة أعمالهم التقليدية في الصيد والزراعة. يشير عرض هذه المصنوعات إلى قدرة النساء من مجموعات السكان الأصليين على تجاوز المحنة والتكيف مع المتغيرات.
بين العناصر المعروضة صورة فوتوغرافية لصانعة عطور محترفة في أواخر القرن التاسع عشر وتدعى آن هافيلاند. كانت هافيلاند مثالا مبكراً لرائدات الأعمال اللاتي استطعن تحدي التصنيف. أدارت هافيلاند شركة عطور ناجحة واستطاعت أن تفرض نفسها على مجتمع الأعمال الذي كان قاصراً وقتها على الرجال. أما الصورة نفسها فقد التقطتها المصورة الفوتوغرافية تاربوكس بيلز، وهي إحدى رائدات التصوير الفوتوغرافي في الولايات المتحدة والعالم.

كانت بيلز مصورة صحافية محترفة في وقت كان التصوير الفوتوغرافي في بداياته. التقطت بيلز الكثير من الصور للعديد من الرجال والنساء أثناء العمل، ويضم المعرض عددا من هذه الصور. بين الوثائق التاريخية التي يضمها المعرض يوجد ترخيص رسمي بمزاولة المهنة يعود إلى نهايات القرن الثامن عشر يخص امرأة تدعى ماري ديكسون. كانت ديكسون صاحبة نزل وحانة مرخصتين رسمياً باسمها في وقت كانت الثقافة السائدة ضد عمل النساء البيض. تشير هذه التجارب النسائية إلى أن الرغبة في تجاوز التنميط والتحرر من أسر الأفكار التقليدية كانا مطروحين في وقت مبكر، وهو الأمر الذي ساهم في تقبل المجتمع الأميركي سريعاً لهذه التحولات.

المساهمون