كيف تؤثر الشبكات الاجتماعيّة في فقدان الشهيّة؟

كيف تؤثر الشبكات الاجتماعيّة في فقدان الشهيّة؟

31 مايو 2022
تختلف تبعات شبكات التواصل على اضطرابات الأكل من شخصٍ إلى آخر (Getty)
+ الخط -

تساهم شبكات التواصل الاجتماعي، كما المجلات، في تصوير النحافة مثلاً أعلى، ما يؤدّي إلى اضطرابات في الأكل لدى الكثيرين. ورغم أن هذه الشبكات تتيح إنشاء مجموعات دعم لمن يعانون هذه الاضطرابات، إلّا أن ذلك قد يجعلهم أسرى هذه الحالة المرضية.

ليست هذه الظاهرة بالجديدة، إذ سُجّلت على سبيل المثال في مطلع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين طفرة في المدونات المؤيّدة لفقدان الشهية تسمى "برو آنا" (pro-ana) أو تلك المؤيّدة للشره المرضي، وتسمى "برو ميا" (pro-mia).

وبادرت الشركات التي توفر خدمات الإنترنت لاحقاً إلى حذف هذه المدوّنات، لكنّها باتت تتّخذ أشكالاً جديدةً على الشبكات الاجتماعيّة، على ما أفاد به متخصّصون بمناسبة اليوم العالمي لاضطرابات الأكل السلوكيّة الذي يصادف يوم الخميس المقبل.

ومن هذه الأشكال ما يسمى التحدّيات (challenges)، التي غالباً ما يطلقها شباب على شبكتي التواصل الاجتماعي تيك توك وإنستغرام وتتوجّه إلى شباب آخرين.

أحد هذه التحدّيات "ورقة إيه 4"، ويتطلب الفوز به أن يقتصر مقاس محيط الخصر على 21 سنتيمتراً، أي بعرض ورقة A4، وهو ما يستحيل تحقيقه إلّا باتباع حمية قاسية جدّاً تصل إلى الامتناع عن تناول الطعام لمدّة طويلة.

وتنتشر على الشبكات الاجتماعيّة آلاف الحسابات التي تمجّد النحافة، ويمكن أن تسبّب عُقداً لدى المراهقين.

ويرى الأستاذ المحاضر في علم النفس السريري في جامعة نانت الفرنسيّة فالنتان فلودياس أنّ إقبال الشباب على حسابات هؤلاء المشاهير النحفاء الذين يتمتّعون بلياقة بدنيّة وبصحّة جيّدة يعود أولاً إلى "الأفكار السائدة في المجتمع".

حسابات "الشفاء"

ولاحظ فلودياس في حديثه لوكالة فرانس برس أنّ "مكافحة البدانة والدعوة إلى النشاط البدني تعزّزان نزعة اللجوء إلى هذه الحسابات التي تتوافق مع مبدأ النحافة"، مذكّراً بالتصريحات المقلقة لمنظمة الصحة العالمية في مايو/ أيّار الماضي عن "وباء بدانة" في أوروبا.

وترى الطبيبة النفسيّة للأطفال، رئيسة الاتحاد الفرنسي لفقدان الشهية والشره المرضي، ناتالي غودار، أنّ "المسألة الجماليّة" الحاضرة بكثافة على الشبكات الاجتماعية، وفي صورها المحسّنة بالفلاتر وتقنيات التنقيح، تُؤثّر في الأشخاص الذين يعانون أساساً من اضطرابات الأكل.

وتشرح غودار أنّ فقدان الشهية العصبي نتيجة "لعوامل عدة" ولا يمكن تالياً القول إنّ "الشبكات الاجتماعية سببه الحصري"، مع أنّ هذه المنصات يمكن أن تكون "عاملاً في توليد شعور بالانزعاج والاستخفاف بالنفس".

بالإضافة إلى هذه الجوانب، باتت الشابات اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و25 عاماً يستخدمن الشبكات لعرض تجاربهنّ الاستشفائيّة وعلاقتهن بالمرض من خلال إنشاء حسابات "ريكوفيري"، أي شفاء.

وهذا ما يؤدّي إلى إنشاء مجموعات تتبادل أعضاؤها المريضات المساعدة أملاً في التحسن. ومع أنّ فلودياس يصفها بـ"الأمر الجيد"، يرى في المقابل أنّها "تنطوي على مخاطر".

ويوضح أنّ "فقدان الشهية غالباً ما يكون مشكلة مرتبطة بالعلاقة مع الآخرين، ويكمن الخطر في أنّ هذه الحسابات قد تؤدّي إلى أن يصبح مرض الشخص مرادفاً لهويته، ما يجعله تالياً أسيراً لهذا المرض".

التركيز على الجسم

ويلاحظ الباحث اتساع حركة "الإيجابية الجسدية" (أي حبّ الشخص لجسده) على الشبكات، ويرى أنها "أفضل طبعاً من حركة برو آنا، لكنّ هذا النوع من الحسابات يركّز أيضاً وأيضاً على الجسم، بينما يتطلب الشفاء من فقدان الشهية الابتعاد" عن هذا الهاجس.

وتلاحظ ناتالي غودار أنّ هذه الحسابات التي تتحوّل أحياناً إلى نوع من "التوجيه الغذائي"، تؤدي إلى "اجتياح" مسألة الأكل فكر الأشخاص.

وقد يعتقد بعض المرضى أنّهم شفوا، ولكنهم قد يصابون باضطراب مشابه، هو الأرثوريكسيا، أو الهوس بالأكل الصحي.

ولا يعود هاجس هؤلاء الأشخاص وزنهم -ومن هنا الاختلاف مع فقدان الشهية- لكنّهم يفرطون في الانتباه إلى ما يأكلونه، ما يؤثر سلباً بحياتهم الاجتماعية.

وشاركت عالمة النفس في باريس بولين دريك في عام 2019 في تأسيس ورشة عمل جماعية في مستشفى نهاري يستند إلى تجربة المرضى على الشبكات الاجتماعيّة.

وتقول إنّ هؤلاء الشباب الذين يعانون من اضطرابات الأكل "يتصفّحون الشبكات الاجتماعية مساءً في غرفهم، عندما يكونون بمفردهم، وأحياناً في لحظات القلق".

وخلال ورش العمل، يعلّقون على "منشور على إنستغرام أو فيديو على يوتيوب" ويحلّلون آثاره الإيجابية أو السلبية على وضعهم النفسي.

لكن دريك ترى أنّ النظرة إلى المحتوى تختلف "بحسب المريض، ومرحلة مرضه". وتشير مثلاً إلى أنّ حساباً عن الطهو "قد يوفّر احتمالات شفاء لمريض ما، لكنّه قد يفاقم القيود الغذائية لدى مريض آخر".

ولا يتمثّل الهدف بشيطنة الشبكات الاجتماعية، بل بتوعية المرضى بالتأثير الذي يمكن أن تُحدثه هذه المنصات في الاضطرابات التي يعانون منها "لكي يستخدموها بانتباه"، على قول دريك.

(فرانس برس)

المساهمون