فضاءٌ يواجه كورونا: بصريات تبتكر أماناً مؤقّتاً

فضاءٌ يواجه كورونا: بصريات تبتكر أماناً مؤقّتاً

18 يناير 2021
هيلاري سوانك في Away: أسئلة كثيرة (العربي الجديد)
+ الخط -

 

تُكِثر فضائيات عربيّة عدّة عروضَ أفلامِ خيالٍ علميّ وفضاءٍ خارجيّ في برامجها اليومية. الكثرة مُتزامنة وبدء مرحلة جديدة من سطوة كورونا على العالم، والمرحلة هذه موصوفة بأنّها الأخطر منذ بداية الصراع مع الوباء قبل نحو عام. غالبية الأفلام قديمة الإنتاج. تتفرّد "نتفليكس" ببعض الجديد، والجديد معقودٌ على أفلامٍ ومسلسلاتٍ.

يبدو هذا كأنّه تَوافُقٌ غير مباشر على أنّ الفضاء الخارجيّ "ربما" يكون أفضل، في لحظةٍ مصيرية صعبة يعيشها العالم حالياً. كوكب الأرض يعاني أزمةً، لن يكون خطأً اعتبارُها أزمة وجود، فكثيرون يرونها الأسوأ منذ سنين عدّة.

المشتركات بين الخيال العلمي والفضاء الخارجيّ كثيرة. أفلام الفضاء الخارجي تكون إجمالاً أفلامَ خيالٍ علمي (مع استثناءات لها علاقة بتاريخٍ وعلمٍ غالباً). أفلامُ الخيال العلمي لن تحتاج دائماً إلى الفضاء الخارجي. غالبية أفلام النوع الثاني تحتاج إلى مفردات النوع الأول وتقنياته ومناخاته وجمالياته البصرية، لتحقيق إنتاجاتٍ، لن تخلو من أسئلةٍ تتعلّق بالحياة والموت والمجهول والتحدّي والمغامرة والعلاقات وآليات العيش، والبحث عن منافذ خلاصٍ. تتعلّق أيضاً بكائناتٍ أخرى تُقيم في كواكب أخرى، وبمدى إمكانية التواصل معها، وبمدى تقدّمها (أو تأخّرها، وهذا نادرٌ جداً في تلك الأفلام) عن البشر الأرضيين.

يُقال إنّ الغزو السينمائيّ للفضاء الخارجيّ، وبعضه يبلغ المرّيخ ويُقيم فيه، كـ"المرّيخي" (2015) لريدلي سكوت، غير ملتزم تقنيات الخيال العلمي دائماً. الفضاء الخارجي، بكواكبه الأقرب إلى الأرض على الأقلّ، يمتلك مقوّمات يُدركها العلم البشري، ما يجعل تفاصيل كثيرة في أفلام الفضاء الخارجي واقعية، إلى حدّ كبير. السينما، لشدّة تحرّرها من كلّ علمٍ أو معرفة أو واقع، ومن كلّ مسألة مقبولة أو ذات مصداقية، تقول أحياناً بصوابية أمورٍ، لن يتأخّر العالم كثيراً عن تأكيدها (الصوابية). هذا مقابل إخلال السينما، أحياناً أخرى، بوقائع علمية جمّة، فالهمّ الأبرز لها كامنٌ في صُنع أفلامٍ تتفوّق على الخيال وتغلبه، وتحرّض على التفكير وتُثيره، وتحثّ على التأمّل وتُسرف فيه، أو تكتفي بتسليةٍ وتشويق لن يخلُوَا من عِبَرٍ، فهوليوود "تُمرّر" دائماً رسائل متنوّعة عبر أفلامٍ كثيرة، أيّاً يكن نوع الأفلام والرسائل.

 

 

من "المريخيّ" إلى السلسلة السينمائية "المُذهِلون الأربعة (Fantastic Four)"، خصوصاً الحلقة الأولى منها (2005) لتيم ستوري (اكتشاف "مكان" آخر في زمن آخر خارج الأرض وأزمنتها، يمتلك مقوّمات مُذهلة لقوة غريبة تحوّل شبّاناً إلى كائنات بشرية، تختلف كثيراً عن البشر العاديين)، هناك ما يدفع إلى اختيار أفلامٍ كهذه لعرضها في لحظة إعادة الإقفال العام في بلدان عدّة، معظمها أوروبي، وبعضها القليل عربيّ، ولبنان أحدها. "نتفليكس" منصرفةٌ إلى هذا النوع أيضاً، مع آخر إنتاج سينمائي حديثٍ لها بعنوان "سماء منتصف الليل" (2020) لجورج كلوني، تمثيلاً وإخراجاً وإنتاجاً ("العربي الجديد"، 13 يناير/ كانون الثاني 2021). للمنصّة نفسها سلسلة تلفزيونية بعنوان Away (موسم واحد، 10 حلقات، 2020)، لمبتكرها أندرو هندرايكر، مع هيلاري سوانك ("العربي الجديد"، 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020).

هناك أيضاً السلسلة التلفزيونية "الأول (The First)"، لمبتكرها بو ولِمان، إنتاج المنصّة الأميركية "هولو"، تمثيل شون بن وناتاشا ماكإلون في الدورين الأولين (موسم واحد، 8 حلقات، 2018)؛ والفيلم السينمائي "الرجل الأول" (2018) لداميان شازيل، وفيه يؤدّي راين غوزلينغ دور نِل أرمسترونغ. التنويع واضحٌ: سلسلة تلفزيونية تتابع أول رحلة للإنسان إلى المرّيخ، وفيلم سينمائي يروي سيرة أول إنسان تطأ قدماه سطح القمر (رحلة "أبولو 11"، 20 يوليو/ تموز 1969، بعد 4 أيام فقط على بدء الرحلة). البحث عن مُقوّمات حياتية للبشر في كواكب أخرى إحدى ركائز "سماء منتصف الليل"، بينما تخوض هيلاري سوانك أكثر من تجربة في وقتٍ واحد: امرأة تقود رحلة فضائية إلى المرّيخ (أيضاً)، واكتشاف هذا الكوكب الأقرب إلى الأرض، وأسئلة العائلة والأمومة والغياب والمغامرة والتحدّي.

هذا ليس نقداً. وفرة أفلامٍ ومسلسلات أميركية، في لحظة انعدام كلّ أمان في الأرض، مُثيرة للانتباه. ربما يُحال هذا إلى برمجة غير مقصودة. لكنّ أحد أسباب بحث الإنسان، سينمائياً وتلفزيونياً، عن بديلٍ للأرض، يهدف إلى اكتشاف وتأمين بديلٍ آمن عن خراب الأرض. بحثٌ يعود إلى سنين ماضية كثيرة، تسبق تَمَكّن البشر من بلوغ القمر نهاية ستينيات القرن الـ20، بانتظار تمكّنهم الفعلي من بلوغ المرّيخ. انعدام كلّ أمان على الأرض قديم أيضاً، وكورونا يجعله أقوى وأخطر، وأكثر إثارة لقلاقل ومخاوف وارتباكات.

اللجوء التلفزيوني إلى الخيال العلمي والفضاء الخارجي، أفلاماً ومسلسلات، يُشير إلى رغبةٍ في أمانٍ "متخيّل" (رغم إمكانية المتخيّل في أنْ يكون واقعياً، ذات يوم)، وإلى غلبة أمانٍ كهذا على اضطرابٍ أرضيّ، غير معروفٍ زمن انتهائه.

المساهمون