سقطة رشا رزق... أن تلوم الضحية على وجودها

سقطة رشا رزق... أن تلوم الضحية على وجودها

09 أكتوبر 2020
الفنانة السورية رشا رزق (فيسبوك)
+ الخط -

عندما بدأت أزمة  فيروس كورونا تجتاح العالم، انتشرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي قصة طريفة عن الوباء في كوريا الشمالية. تقول القصة إن رئيس البلاد ابتكر أسلوباً سريعاً وفعالاً للقضاء على الفيروس وهو القتل الفوري لأول مواطن تظهر إصابته بكوفيد 19، لتكون كوريا الشمالية بذلك أول دولة تتخلص من الفيروس بشكل كلي.

الغريب في الأمر، أن عدداً كبيراً من الصفحات العربية تداول هذه الحكاية الطريفة على اعتبارها خبراً حقيقياً.

فعلياً لا يمكن فهم السبب الذي جعل الناس يصدقون هذه النكتة: هل الأمر يتعلق فقط بالغموض الذي يلف دولة كوريا الشمالية؟  أم أن الأمر يتعلق أيضاً بوجود معادلة منطقية في الحكاية يؤمن بها البشر ضمنياً، وهي أن أسهل حل لأي مشكلة هو القضاء على الضحايا؛ كأن نقول مثلاً إن حل مشكلة الفقر هو القضاء على الفقراء!

هذا النوع من الحلول منطقي فعلاً، لكنه بالطبع يتنافى مع كل المعايير الأخلاقية، لذا لم يسبق أن اعتُمد كحل لأي مشكلة من قبل. كان ذلك قبل أن تطلّ الفنانة السورية رشا رزق التي يعرفها الجمهور العربي من خلال غنائها شارات برامج الأطفال مقترحة عبر منشور على "فيسبوك" حلاً لمشكلة الأطفال السوريين الفقراء الذين يعيشون في المخيمات، وهو إلغاء وجودهم من الأصل.

ما نشرته رشا رزق حرفياً هو رسالة متعالية، لم توجهها لأهالي المخيمات، وإنما وجهتها للمنظمات الناشطة في مخيمات لبنان وتركيا بالاسم، طلبت منها توزيع الواقيات الذكرية وحبوب منع الحمل على أهالي المخيمات بدلاً من المساعدات المادية والعينية التي تقدمها لهم، واتهمت خلال الرسالة كل أب سوري وأم سورية بأنهم مجرمون بحق الأطفال، ضمن سياق لا يذكرنا سوى بفيلم "كفرناحوم" لنادين لبكي، وأنهت رسالتها بشعارات طنانة، آخرها: "سورية بلد غير آمن للإنجاب".   

ما نشرته رشا رزق حرفياً هو رسالة متعالية، لم توجهها لأهالي المخيمات، وإنما وجهتها للمنظمات الناشطة في مخيمات لبنان وتركيا بالاسم

ولأن هذا المنشور جاء كرد فعل على مشكلة لا يمكن إنكار وجودها، وهي الظروف المأساوية التي يعيشها الأطفال في المخيمات، المحرومون من العديد من حقوقهم كأطفال، في مجالَي الصحة والتعليم، فإن عدداً كبيراً من السوريين وافق رشا على منشورها وساهم في نشره. وقد خلق هذا التفاعل موجة لتجريم الضحايا على مواقع التواصل الاجتماعي. موجة هي الأكبر من نوعها والأخطر، لكونها جاءت هذه المرة من قبل فنانة محسوبة على المعارضة، على عكس المرات السابقة التي كان ينتشر فيها هذا النوع من الأفكار المعادية لوجود اللاجئين ممزوجاً بعنصرية منفرة من حلفاء النظام السوري. النظام نفسه الذي هجّر العائلات السورية التي تقطن في المخيمات مرغمة. 

ربما يجب التمييز هنا ما بين العمل المشروع الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني للتوعية بضرورة تحديد النسل، وما بين الفكر الذي يحمله منشور رشا ويجرّم الآباء والأمهات ويدعو إلى إيقافهم عن التكاثر، حتى تُحل المشكلة وتندثر المخيمات بسكانها. وفي إطار الدفاع عن المنشور إياه، رأى معظم من وافق رزق على ما كتبته، أن ما قصدته هو التوعية بتحديد النسل، وأن اللغة خانتها.

لا، لم تخن اللغة رشا رزق. ففي المنشور ذاته تصدى لها عدد كبير من السوريين بأجوبة محقة، لتبين أنه لا يمكن تصويب أصابع الاتهامات نحو الضحايا. أحد هذه الردود جاء من فتاة سورية، تعمل في أحدى المنظمات. ودعمت الشابة كلامها بدراسات منشورة تبين أن نسب الولادات في المخيمات في انخفاض، وأن الفرضية التي تتبناها رشا بأن السوريين ينجبون الأطفال ثمّ يرمونهم في الشوارع، بحثاً عن لحظات متعة جنسية هي نظرية منفصلة عن الواقع تماماً؛ لكن ردود رشا رزق كانت سطحية للغاية، واكتفت بالإشارة إلى أنها كشخص يعيش في أوروبا يمكنه التقييم بشكل أفضل.

ما لا تعرفه رشا هو أنها حاضرة بشكل دائم في مخيمات اللجوء، من خلال أغانيها، وأن جوقات الأطفال هناك تتعلم وتردّد هذه الأغاني في الحفلات

نعم، إن رشا رزق لا تعرف هذه المخيمات إلا من خلال الصور. وربما لحسن الحظ أن معظم أهالي المخيم ليست لديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنهم يقضون معظم وقتهم في العمل لتأمين لقمة عيش أبنائهم، وأن هذه المهاترات والاتهامات لم تصلهم كاملة.

لكن ربما ما لا تعرفه رشا هو أنها حاضرة بشكل دائم في مخيمات اللجوء، من خلال أغانيها، وأن جوقات الأطفال هناك تتعلم وتردّد هذه الأغاني في الحفلات التي تقيمها منظمات المجتمع المدني. لكن لا يهمّ، فرزق ترى في هؤلاء الأطفال عبئاً، وترى في ولادتهم جريمة.

 

المساهمون