سارجنت والموضة... عودة إلى الأزياء الراقية

سارجنت والموضة... عودة إلى الأزياء الراقية في القرن الـ19

23 ابريل 2024
استطاع سارجنت أن يوفق في أعماله بين رغبات جليساته وتطلعاته الفنية (إكس)
+ الخط -
بدأت الملامح الأولى للموضة وتصاميم الأزياء، بالمعنى الحديث للمصطلح، خلال القرن التاسع عشر في أوروبا وتحديداً في باريس، مع توظيف مصممي الملابس العديد من المساعدين والعاملين. في هذه الأثناء، كانت تتشكل تجربة الفنان جون سينغر سارجنت (1856- 1925) أحد أمهر فناني البورتريه في القرن التاسع عشر.

كان سارجنت مولعاً بالموضة وأشكال الأزياء في عصره، وتميز بتوظيفه لها في أعماله كما لم يصورها فنان من قبل. ساعده على ذلك قربه من دوائر المجتمعات الراقية في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وهي الأماكن التي عاش فيها سنوات ممتدة من حياته.

من أجل تسليط الضوء على هذا الجانب في حياة هذا الفنان، ينظم متحف تيت غاليري في لندن، حتى السابع من يوليو/ تموز المقبل، معرضاً لأعماله تحت عنوان "سارجنت والموضة". في هذا المعرض، تُعرض أعمال سارجنت مع أمثلة من الملابس الأصلية المصورة في لوحاته.

الصورة
سارجنت والموضة
عرضت أعمال سارجنت مع أمثلة من الملابس الأصلية المصورة في لوحاته (إكس)

ولد سارجنت في إيطاليا لأبوين من أميركا الشمالية، وعاش متنقلاً خلال طفولته بين دول أوروبية عدة، قبل أن يكتسب شهرته الفنية في باريس. عام 1886، استقر في لندن، على الرغم من استمراره في السفر بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

جسد سارجنت القيم العالمية للمجتمع الراقي في القرن التاسع عشر، الذي كانت تنتمي إليه العديد من جليساته. في دوائر هذه المجتمعات الراقية، كانت الملابس الفاخرة ذات دلالة خاصة، إذ وصفتها الكاتبة الأميركية إديث وارتون في روايتها "عصر البراءة" بأنها كانت كالدرع في قدرتها على منح ميزة اجتماعية. كما كانت صور البورتريه الشخصية قادرة على ترسيخ الانطباعات حول الأشخاص، إذ يمكن لخيارات الملابس التي تنطوي عليها هذه الصور تحسين سمعة الأشخاص أو الحط من شأنهم.

استطاع سارجنت أن يوفق في أعماله بين رغبات جليساته وتطلعاته الفنية. فلم يكن الفنان يرسم جليساته فحسب، بل كان يخرج المشهد وتصميمه على أفضل صورة ممكنة، فكانت كل تفصيلة في لوحاته موضوعة في مكانها، وكل ثنية من ثنيات الأقمشة مصممة بعناية. مثلت أشكال الملابس والأقمشة محفزاً لإنشاء هذه المشاهد الجذابة، وعمل الفنان على تثبيت ملابس جليساته ولفها وطيها لخلق تأثيرات مختلفة وجديدة، فكانت جلسة التصوير تتسم بالصعوبة، ومصدراً لمعاناة جليساته أحياناً.

الصورة
سارجنت والموضة
مثلت أشكال الملابس والأقمشة محفزاً لإنشاء هذه المشاهد الجذابة (إكس)

سارجنت واللون الأسود

ارتبطت الملابس السوداء تاريخياً بالحداد، غير أن هذه الفكرة بدأت تتغير مع توظيف اللون الأسود من قبل مصممي الأزياء في تلك الفترة، والتعامل معه كلون عصري مناسب لكل المناسبات. ينعكس هذا التغير في التعامل مع اللون الأسود على لوحات سارجنت بوضوح، الذي رسم ما يقرب من نصف جليساته من مختلف الأعمار وهن ترتدين عباءات سوداء.

بين هذه الأعمال لوحة السيدة فيرجيني غوترو، وكانت إحدى الشخصيات البارزة في المجتمع الباريسي في القرن التاسع عشر. تعد لوحة غوترو أحد أهم أعماله وأكثرها إثارة للجدل، فرغم فرادتها وجمالها، إلا أنها تسببت في ترك الفنان باريس وعدم العودة إليها مرة أخرى.

عرضت هذه اللوحة لأول مرة عام 1884 في الصالون الذي أقيم في قصر الشانزليزيه في باريس. أظهرت اللوحة في الأصل حزام الكتف الأيمن المرصع بالجواهر وقد انزلق عن كتف السيدة غوترو، وكان ذلك سبباً في تعرض اللوحة للسخرية الشديدة من قبل النقاد والجمهور ووصفها بعدم الاحتشام.

اضطر سارجنت بعدها إلى معالجة اللوحة من جديد وإعادة الحزام إلى موضعه على الكتف، غير أن الأمر تسبب في تضرر سمعته في أوساط المجتمع الفرنسي، ما اضطره إلى مغادرة باريس نهائياً والاستقرار في لندن قبل العودة مرة أخرى إلى الولايات المتحدة. احتفظ سارجنت بهذه اللوحة حتى بعد وفاة غوترو عام 1915، وباعها لاحقاً إلى متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك. وفي رسالة إلى مدير المؤسسة، كتب سارجنت "أعتقد أن هذا هو أفضل شيء قمت به".

الصورة
سارجنت والموضة
تعد لوحة غوترو أحد أهم أعماله وأكثرها إثارة للجدل (إكس)

من الملاحظ هنا أن العديد من الأزياء التي ارتدتها جليسات سارجنت كانت من تصميم تشارلز فريدريك وورث (1825-1895)، وهو أحد المصممين الذين سيطروا على الموضة الباريسية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتزامنت أكثر سنوات وورث نجاحاً مع ذروة مسيرة سارجنت المهنية رساماً للبورتريه. وكان وورث أول من ابتدع عروض الأزياء بعرض تصاميمه على عارضات حقيقيات، وترسخت في عصره سمعة باريس عاصمةً للموضة.

المساهمون