حين تطلّ الشرطة من شاشة الهاتف

20 نوفمبر 2021
تسعى الشرطة حول العالم لامتلاك أدوات المراقبة الأكثر تطوراً (Getty)
+ الخط -

ماذا تقول منشوراتك على "فيسبوك" ومن تتابعهم عبر "إنستغرام" عنك؟ وفقاً لشركة "فوياجر لابز" Voyager Labs الناشئة التكنولوجية، يمكن أن تساعد هذه المعلومات الشرطة في معرفة ما إذا كنت قد ارتكبت جريمة أو تخطط لارتكابها. الشركة نفسها قد تقرأ التعبير عن الفخر بالعروبة أو الحديث عن الإسلام على أنه ميل نحو التطرف.

"فوياجر لابز" واحدة من عشرات الشركات الأميركية التي أسست في السنوات الأخيرة لتقدم برمجيات هدفها الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي للمساعدة في حل الجرائم والتنبؤ بها. تساعد هذه الشركة الشرطة في التحقق من الأشخاص ومراقبتهم، عبر إعادة بناء حياتهم الرقمية بالكامل ــ العامة والخاصة ــ اعتماداً على الذكاء الاصطناعي.

تدعي الشركة أن برمجياتها يمكنها تفكيك معنى وأهمية السلوك البشري على شبكة الإنترنت، ويمكنها تحديد ما إذا كان الأشخاص قد ارتكبوا بالفعل جريمة، أو قد يرتكبون جريمة مستقبلاً، أو يتبنون أيديولوجيات معينة. لكن وثائق جديدة حصل عليها "مركز برينان للعدالة" Brennan Center for Justice، ومقره نيويورك، وشاركها مع صحيفة "ذا غارديان"، الأربعاء، تبين أن الافتراضات التي تعتمد عليها برمجيات الشركة لاستخلاص تلك الاستنتاجات قد تتعارض مع ما ينص عليه التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة.

"فوياجر لابز" اعتبرت مثلاً استخدام اسم على "إنستغرام" يظهر فخراً بالانتماء للعروبة أو التغريد عن الإسلام إشارتين على ميل محتمل نحو التطرف. تكشف الوثائق أيضاً أن الشركة الأميركية تعتمد مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات المشكوك فيها أخلاقياً للوصول إلى معلومات المستخدم، بما في ذلك تمكين الشرطة من استخدام شخصيات مزيفة للوصول إلى المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي أو ملفات التعريف الخاصة بشخص ما.

ويقول الخبراء إن ما تعتمده "فوياجر لابز" يعكس التوجه الواسع لوكالات إنفاذ القانون نحو تطوير قدراتها عبر أدوات تقنية متقدمة. وميل الشرطة نحو استخدام مثل هذه الأدوات مفهوم، إذ قد تمكنها من تعقب اتصالات معينة تلقائياً وبسرعة كبيرة، أو رصد السلوكيات أو الخيوط غير الملحوظة التي قد لا يلتقطها الإنسان. تقارير جديدة تظهر أن شرطة لوس أنجليس وحدها تواصلت مع "فوياجر لابز" للتوصل إلى اتفاق بينهما في 2019، وتعاونت أو جربت التعاون مع شركات أخرى مماثلة، بينها "بريدبول" PredPol و"ميدياسونار" MediaSonar.

لكن بالنسبة للأفراد، يمكن أن يكون ضبط الأمن بوسائل التواصل الاجتماعي كابوساً يهدد خصوصيتهم.

يشير الخبراء الذين راجعوا الوثائق التي استلمتها "ذا غارديان" إلى أن شركات مثل "فوياجر لابز" غالباً ما تستخدم الكلمات الطنانة مثل "الذكاء الاصطناعي" و"الخوارزميات" لشرح كيفية تحليل المعلومات ومعالجتها، لكنها لا تقدم سوى القليل من الأدلة على نجاحها.

تظهر الوثائق أن طريقة عمل "فوياجر لابز" والشركات المشابهة لها ليست معقدة. يخزن برنامج الشركة المعلومات العامة المتاحة كافة عن شخص أو موضوع ما بما فيها المنشورات والاتصالات وحتى الرموز التعبيرية، ثم يفهرسها ويحللها. وتكشف المستندات الداخلية أن التقنية تخلق رسماً مفصلاً لوجود الشخص على وسائل التواصل الاجتماعي، بالاعتماد تحديداً على المشاركات والأشخاص الذين يتواصل معهم ومدى متانة العلاقات هذه. ولا تتوقف المسألة عند هذا الحد؛ إذا قام شخص تتتبعه برمجية "فوياجر لابز" بحذف صديق أو منشور من ملفه الشخصي، فسيظل في أرشيفه الذي جمعته الشركة. ولا تفهرس البرمجية جهات الاتصال الخاصة بالموضوع أو الشخص فحسب، بل تسجل أيضاً أي محتوى أو وسائط نشرتها جهات الاتصال هذه، بما في ذلك تحديثات الحالة والصور والمواقع الجغرافية. وتسعى خلف الصداقات من الدرجتين الثانية والثالثة "لاكتشاف وسطاء غير معروفين أو ارتباط غير لائق".

تدعي الشركة أن كل هذه المعلومات عن الأفراد والمجموعات والصفحات تسمح لبرمجيتها بإجراء "تحليل للمشاعر"، وإيجاد خيوط جديدة عند التحقيق في "التضامن الأيديولوجي". في المقترحات التي قدمتها الشركة إلى شرطة لوس أنجليس مثلاً، زعمت أن منصة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لا مثيل لها في قدرتها على تحليل "مؤشرات السلوك البشري".

وتقول إن برنامج الذكاء الاصطناعي الخاص بها يمكن أن يوفر رؤى حول "المكانة الاجتماعية" للفرد أو المجموعة، ويمكنه الكشف عن العلاقات المخفية، ويمكنه إجراء "تحليل للمشاعر" لتحديد موقف شخص ما أيديولوجياً في مواضيع مختلفة، وبينها التطرف.

تقدم خدمة تسميها الشركة "فوياجرديسكوفر" VoyagerDiscover، ملفات تعريف اجتماعية لأشخاص "يتماهون بشكل كامل مع موقف ما أو أي موضوع معين". تقول الشركة إن النظام يأخذ في الاعتبار المشاركة الشخصية والمشاركة العاطفية والمعرفة ودعوات العمل. وعلى عكس الشركات الأخرى، تدعي "فوياجر لابز" أنها لا تحتاج إلى وقت لدراسة ومعالجة السلوك عبر الإنترنت، وأنها يمكنها إصدار هذا النوع من الأحكام في الوقت نفسه الذي تتم فيه الأنشطة.

في إحدى الدراسات التي قدمتها الشركة لشرطة لوس أنجليس، شرحت الطرق التي كانت ستحلل بها ملف آدم السهلي على منصات التواصل الاجتماعي. السهلي قتل في العام الماضي خلال محاولته الاعتداء على قاعدة جوية تابعة للبحرية الأميركية في تكساس.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

وخلصت الشركة إلى أن نشاط السهلي على وسائل التواصل الاجتماعي يعكس "الأصولية الإسلامية والتطرف"، واقترحت أن يراجع المحققون حساباته، "لتحديد قوة وطبيعة علاقاته المباشرة وغير المباشرة مع الأشخاص الآخرين المهتمين".

لكن الوثائق تظهر أن الكثير من الجوانب التي أشارت إليها "فوياجر لابز" على أنها إشارات إلى الأصولية والتطرف، يمكن أن تدرج في خانة حرية التعبير. على سبيل المثال، قالت الشركة إن 29 من منشورات السهلي البالغ عددها 31، على "فيسبوك"، كانت صوراً لموضوعات إسلامية، وإن أحد حساباته على "إنستغرام" يعكس "فخره وتماهيه مع إرثه العربي". وعند فحص قائمة الحسابات التي تابعها وقائمة متابعيه، أشارت "فوياجر لابز" إلى أن "معظمها باللغة العربية" - إحدى اللغات المائة التي قالت الشركة إنها تستطيع ترجمتها تلقائياً – وأنها "تظهر عموماً" على أنها حسابات تنشر محتوى دينياً. وكتبت "فوياجر لابز" أن تغريداته ركزت في معظمها على مواضيع إسلامية. أشارت أيضاً إلى اتصالات السهلي، وكتبت أن ثلاثة من مستخدمي "فيسبوك" الذين شارك منشوراتهم "ربما تكون لديهم تفاعلات أخرى معه خارج وسائل التواصل الاجتماعي، أو كانوا جزءاً من الدوائر والمنتديات الإسلامية نفسها".

بعض أجزاء الوثائق منقحة. ومع ذلك، تفيد "ذا غارديان" بأن الإشارة الوحيدة المرئية للمحتوى الذي يمكن اعتباره ربطاً صريحاً بالأصولية هي التغريدات التي قالت "فوياجر لابز" إنها تدعم المجاهدين.

بالاعتماد على المعلومات المتاحة للعامّة، تبتكر برمجية "فوياجر لابز" صورة شاملة وجائرة إلى حد ما للحياة الخاصة لأي شخص، كما قال الخبراء لـ"ذا غارديان". لكن الشركة تكمل تلك البيانات بمعلومات غير متاحة للعامة تحصل عليها من خلال قناتين أساسيتين: مذكرات الاستدعاء أو مذكرات التفتيش، وما تسميه الشركة بـ"الشخصية النشطة". في الحالة الأولى، تتنقل الشركة بين وكالات إنفاذ القانون المختلفة للاطلاع على هذه الاستدعاءات التي قد تتضمن معلومات خاصة وحساسة عن الأشخاص. أما في خدمتها الخاصة من "فيسبوك"، فتحلل الرسائل الخاصة لتحديد الملفات الشخصية التي يتواصل معها الأشخاص بشكل متكرر، ثم تعرض المشاركات العامة جنباً إلى جنب مع هذه الرسائل الخاصة لتوفير سياق "قيّم".

المساهمون