حملة لمقاطعة ألمانيا ثقافياً: كفى مكارثية

25 يناير 2024
في برلين (الأناضول)
+ الخط -

انضم مئات الكتّاب والناشطين حول العالم، لحملة دولية من أجل مقاطعة ألمانيا ثقافياً، وذلك إثر حملات الملاحقة ومنع أي مظاهر من التعاطف مع الفلسطينيين في ألمانيا، وسط هجوم إعلامي ألماني مستميت على الحملة والقائمين عليها. 
وذكرت الحملة أنها تُمثّل تحالفاً واسعاً من الفنانين وصانعي الأفلام والمؤلفين والعاملين في مجال الثقافة، من أجل مقاطعة المؤسسات الثقافية الألمانية، و"رفض استخدام المؤسسات الثقافية الألمانية للسياسات المكارثية التي تقمع حرية التعبير، وتحديداً التعبير عن التضامن مع فلسطين". ودعت الحملة إلى سحب المشاركة من المهرجانات واللوحات والمعارض، حتى تُلبّى طلباتها.
من جهتها، ساهمت الدولة الألمانية، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، بفرض الرقابة على الفلسطينيين والمؤيدين لهم، ولاحقتهم، ولاحقت مؤسساتهم، أو المؤسسات الداعمة لهم، مثل مركز "عيون" الثقافي في برلين، الذي أجبر على الإغلاق، بسبب استضافته حدثاً لمجموعة "الصوت اليهودي من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط"، المؤيدة للقضية الفلسطينية

ألمانيا تطارد الناشطين

انطلقت ألمانيا في حملة مطاردة ضد الناشطين الفلسطينيين، ورفعت راية اتهامهم بمعاداة السامية، وفتشت منازل بعض منهم، كما أجلت مؤسسة ألمانية جائزة كان يفترض أن تحصل عليها الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، ضمن معرض فرانكفورت للكتاب العام المنصرم. كذلك، سحب اثنان من الرعاة الرئيسيين لجائزة هانا أرندت دعمهما، بعد أن نشرت الفائزة؛ الكاتبة اليهودية الأميركية ماشا جيسن، مقالاً عن غزة في مجلة ذا نيويوركر، قارنت فيه غزة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول بـ"الأحياء اليهودية في أوروبا التي احتلها النازيون".

عقيدة قمعية

ذكرت حملة "قاطعوا ألمانيا" على موقعها، أن غالبية المستهدفين من "المطاردة" في ألمانيا هم من الفلسطينيين والعرب واليهود المؤيدين للفلسطينيين والسود. ومنذ أن أصدر البرلمان الألماني قرار مكافحة المقاطعة لعام 2019، فإن المؤسسات الثقافية تعمل على أساس أن "لا مساحة للتضامن مع فلسطين في ألمانيا"، وذلك تحت تهديد فقدان التمويل، كما أكدت الحملة.
ويعد اعتماد القطاعين الثقافي والأكاديمي الألماني على الأموال العامة بشكل كامل، سبباً في تحويل الإنتاج الثقافي إلى امتداد لسياسة الدولة. 
وذكرت الحملة أن "ثقافة التذكر" الألمانية، وهي الحملة الحكومية للتصدي للإبادة الجماعية لليهود في ألمانيا، قد أصبحت تعمل بمثابة عقيدة قمعية، وتسارع الإعلام والسياسيون الألمان إلى إلقاء اللوم على السكان العرب والمسلمين في ألمانيا، تحت مسمى "معاداة السامية المستوردة". 
وتهدف الحملة، التي لم يعرف حتى الآن القائمون عليها، إلى حماية الحرية الفنية ومحاربة العنصرية، إذ يخضع العاملون في المجال الثقافي في ألمانيا لفحوصات خلفية تتعلق بمواقفهم بشأن القضية الفلسطينية.
وتقوم المؤسسات الثقافية بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، والعرائض، والرسائل المفتوحة، والبيانات العامة للتعبير عن التضامن مع فلسطين، من أجل التخلص من العاملين في المجال الثقافي الذين لا يريدون دعم ألمانيا القاطع لـ"إسرائيل"، الذي اعتبرته الحملة انتهاكاً للحريات التي يحميها الدستور، ووصفها بـ" أشكال مخفية من التنميط العنصري".

كذلك، تطمح الحملة إلى إجبار المؤسسات الألمانية لاعتماد "إعلان القدس لمعاداة السامية"، في تعريفها لمعاداة السامية، بدلاً من اعتماد تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة"، الذي يعتبر انتقاد "إسرائيل" معاداة للسامية، ويفرض رقابة على الانتقادات الموجهة إلى الاحتلال الإسرائيلي ووجهات النظر المعادية للصهيونية في المجال الثقافي الألماني. 
ووقّع حتى الآن على الحملة أكثر من ألف شخص، من بينهم الكاتبة الفرنسية الفائزة بجائزة نوبل للآداب آني إيرنو، والروائية البوسنية والصربية لانا باستاسيتش، التي أعلنت في وقت سابق إنهاء عقدها مع مؤسسة نشر ألمانية، والكاتب والشاعر الفلسطيني محمد الكرد. كما ألغى منسقون موسيقيون مشاهير مشاركتهم في الليلة الافتتاحية لمهرجان موسيقي يقيمه نادي "بيرغهاين" في برلين، أكبر ناد موسيقي ألماني.
كذلك، وقعت على القائمة الباحثة جوديث بتلر، والمؤرخة الفنية كاثرين ديفيد، والناشطة النسوية ومنظرة ما بعد الاستعمار الفرنسية فرانسواز فيرجيس، والفنان البريطاني اللبناني لورانس أبو حمدان.  وتنوعت جنسيات ومكان إقامة الموقعين، وضمت أسماء من حول العالم. 

مجتمع حر؟

لا تزال وسائل الإعلام الألمانية، تهاجم الموقعين وتصفهم بمُعادي السامية، وكتبت صحيفة "بيلد" في تقرير لها: "كارهو إسرائيل يدعون إلى مقاطعة ألمانيا". ونفت أن الصوت الفلسطيني جرى "إسكاته" في ألمانيا، وأرجعت التقييدات على التظاهر إلى أن المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين استخدموا شعارات معادية لـ"إسرائيل" ومعادية للسامية بشكل متكرر. 
ووصفت الصحيفة بعض الموقعين على الحملة بـ"معادين للسامية"، وبالتحديد محمد الكرد، فيما انتقدت دعم الكاتبة آني إيرنو لحملة المقاطعة BDS.
كذلك، سخر موقع "دويتشلاند فونك" من الحملة، وكتب أنه "باستثناء الكاتبة الحاصلة على جائزة نوبل في الأدب آني إيرنو، فإنه لا يكاد يوجد أي شخص آخر يتمتع بالكاريزما بين ما يقرب من 1000 موقع على الرسالة".
وأضاف أن "إثارة الجدل وبالتالي بدء المناقشات، هو الدور المهم الذي تلعبه الثقافة في المجتمع الحر. ودعوات المقاطعة، أياً كان جانبها، تدمر هذه الوظيفة الديمقراطية". واعتبر أن المقاطعة تصب في مصلحة "حزب البديل من أجل ألمانيا" وأمثاله، ممن يعتقدون أن "الثقافة لا ينبغي لها أن تكون تعددية، بل ينبغي لها أن تكون حسنة التصرف وغير سياسية"، وفقاً للموقع.
فيما هاجم موقع شبكة "آر إن دي" الحملة، ووصف اللغة المستخدمة في الدعوة بـ"قتالية إلى عسكرية".
ومن غير الواضح حتى الآن عدد الموقعين الذين ينفذون المقاطعة بشكل تام، إذ إن دعم الكاتبة الحاصلة على جائزة نوبل للآداب آني إيرنو لا يزال رمزياً، إذ لم تتوقف حتى اللحظة عن بيع كتبها، أو عرض مسرحياتها في ألمانيا.
فيما تجاهلت وزيرة الثقافة الألمانية، كلوديا روث، من حزب الخضر، الحملة، وقال متحدث باسمها، كما نقل الإعلام الألماني، إنها أحاطت علماً بالتقارير الإعلامية للمقاطعة، وأضاف: "الوزيرة تقيّم الوضع في الثقافة الألمانية بشكل مختلف تماماً، ولا ترى أي سبب للتعليق أكثر على التقارير الإعلامية أو هذه الدعوة".

المساهمون