برنامج "فطورك علينا"... إذلال السوريين على الهواء

برنامج "فطورك علينا"... إذلال السوريين على الهواء

04 مايو 2022
يعكس البرنامج العلاقة المتوترة بين الشارع السوري والإعلام الرسمي (دليل سليمان / فرانس برس)
+ الخط -

أحياناً، نظن أن مواسم شهر رمضان والأعياد تمثل حالة استثنائية خاصة بالنسبة لإعلام النظام السوري، بسبب ازدياد ساعات بث العروض الترفيهية في هذه الفترة، من مسلسلات وبرامج مسابقات، على حساب برامج الحوارات السياسية والتحقيقات الجنائية، التي تسيطر على ساعات البث على مدار العام. لكن الرسائل السياسية المبطنة التي تحملها الدراما السورية، والعبارات التوجيهية التي تمرّ في برامج المسابقات، تجعل الأمر سيان؛ فالاختلاف الوحيد بين ما يقدمه الإعلام السوري التابع للنظام في مواسم الأعياد ورمضان، عن باقي أيام السنة، هو اختلاف بالقالب الذي تقدّم فيه ذات الرسائل. 
بالنسبة لبرامج المسابقات السورية، فقد كانت تتسم على الدوام بأنها برامج فقيرة وضعيفة، جوائزها المالية ضئيلة وغير مغرية على الإطلاق. وفي معظم الأحيان، لا تُمنح جوائز نقدية، وإنما تُقدّم جوائز عينية بسيطة، كالساعات والأجهزة الكهربائية الرخيصة؛ لكن في هذه السنة، بدا الوضع أكثر سوءاً، بما يتوافق مع الظرف الاقتصادي السيئ الذي تعيشه سورية.
في هذه السنة، أصبحت معظم البرامج التي تقدم جوائز مالية، لا تكشف عن قيمة الجائزة، وتُقدّم الجوائز في مظاريف مختومة، تُخفي المبالغ الضئيلة التي يربحها المشاركون، وقد لا تكفي ثمناً لوجبة فطور لعائلة واحدة. أما الجوائز العينية الأفضل، فكانت عبارة عن شراء مكونات طبق واحد لتعده العائلة على الإفطار بنفسها! وتوزعت في برنامج "فطورك علينا"، الذي تقدمه الإعلامية دعاء جركس على قناة صحيفة الوطن شبه الرسمية على "يوتيوب".
في برنامج "فطورك علينا"، تتجوّل جركس في الأسواق السورية الشعبية، لتنتقي من المارة بشكل عشوائي أشخاصاً يُعرض عليهم شراء مقادير وجبة الإفطار، وتصوّر خلال جولتها بؤس الناس في الشارع، وترصد غلاء الأسعار، واختتمت البرنامج في ليلة العيد، في جولة على محلات الحلويات بصحبة الفقراء.


البرنامج يولد مزيجاً من المشاعر المتضاربة، من الشفقة والاحتقان والغضب والقهر؛ فهو يتمكن من التقاط صورة حقيقية للشارع السوري؛ الشارع الذي صار من الصعب إيجاد شخص فيه يرفض الحصول على الحسنة. فعلى مدار 30 حلقة، لم يرفض الجائزة المذلة، التي تقتصر على مقادير وجبة إفطار، سوى امرأة واحدة قابلتها جركس في جولتها بأسواق حلب! أمر قد يبدو منطقياً نظرأ للأسعار التي تُرصد؛ إذ إن تكلفة الطبق الواحد قد تصل إلى ما يزيد عن 75 ألف ليرة سورية، أي أكثر من راتب موظف حكومي!  في حين أن حلويات العيد، قد تصل تكلفتها إلى 200 ألف ليرة سورية. هذه المفارقة التي تعكس قهر السوريين في الداخل اليوم، تثير السخرية من القوانين والقرارات الرئاسية، التي تزامنت مع عرض البرنامج، ولا سيما المرسوم الرئاسي الذي أصدره الأسد لمنح 75 ألف ليرة سورية للعائلة، لدعم السوريين في شهر رمضان وعيد الفطر. 
البرنامج ذاته، يعكس العلاقة المتوترة بين الشارع السوري والإعلام الرسمي، فعدد كبير من الباعة يهربون من الكاميرات ويبدو عليهم الانزعاج لأنهم يضطرون للبيع أمامها؛ لأن الأسعار التي تفرضها الدولة عليهم لا تتوافق مع تكلفة البضائع التي يملكونها، فيضطرون لذكر أسعار أرخص والبيع بخسارة؛ لأن المشتري يحمل كاميرا تابعة لوسيلة إعلام مدعومة من النظام. البعض منهم يعبّر عن ذلك، والبعض الآخر يفضل أن يتقبل الخسارة بصمت.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

يبدو الخوف واضحاً على ملامح الباعة، لأنهم تعودوا على زيارات مراسلي المحطات التلفزيونية الرسمية لهم، التي تهدف إلى تحميلهم مسؤولية غلاء الأسعار، وتقرعهم بسبب الفقر الذي يعيشه السوريون.

كعادته، يُلقي الإعلام السوري اللوم دائماً على التجار، ويلاحق صغار الكسبة بكاميراته التي سخّرها لرصد المطاردات الرقابية التموينية. ذلك يدفع بعض الباعة إلى تقديم البضائع بالمجان، ليتحاشوا بطش السلطة الرابعة في سورية، والمذيعة تقبل بالأمر، رغم أن ملامح الفقر تظهر بشكل جلي على المحلات التي تدخلها، ورغم أن البرنامج ممول من شركة الاتصالات "سيرياتيل".
يمثل هذا البرنامج نموذجاً عن العديد من البرامج الرمضانية المشابهة، وسيستمر عرض بعضها في العيد. يبدو أن الهدف من هذه البرامج، هو تسليط الضوء على حالة الفقر التي يعيشها السوريون، لعل ذلك يساهم بزيادة الحوالات التي تأتيهم من أقربائهم وأصدقائهم في الخارج.
في هذا السياق، صرّح مهدي دخل الله (القيادي في حزب البعث الحاكم)، بأن عظمة الشعب السوري تكمن بأنه شعب يعرف كيف يتدبر أموره، وأنه يعيش على المعونات التي تأتي من الخارج؛ لتثبت هذه الخطوط المتوازية التي يصورها الإعلام السوري، أن الأمل ليس مرتبطاً بالعمل، كما كانت الشعارات تقول في الحملة الانتخابية الأخيرة لبشار الأسد، وإنما الأمل بالتسول.  

المساهمون