انتعاشة السينما المصرية: من "وداعاً جوليا" إلى "الحريفة"

انتعاشة السينما المصرية: من "وداعاً جوليا" إلى "الحريفة"

13 فبراير 2024
حقّق "الحريفة" نجاحاً كبيراً منذ إطلاقه في دور العرض (إكس)
+ الخط -

تعيش السينما المصرية أزهى فتراتها من ناحية الوفرة الإنتاجية والإيرادات، بعد سنوات طويلة من التراجع كادت تقضي على آمال المنتجين، لكنّ الانفتاح السعودي مؤخراً أنعش الصالات وفتح سوقاً جديدة أمام الأفلام لتحقيق أرباح ضخمة، إن كان بسبب فارق العملة الكبير بين الريال السعودي والجنيه المصري، وإن كان بسبب دخول المنتجين المصريين في شراكات إنتاجية في السعودية.

واتجهت السينما المصرية بعد الانفتاح السعودي إلى الإنتاج الكثيف للأفلام الكوميدية الخفيفة، معتمدة على الأسماء المحبوبة في المملكة، مثل علي ربيع وبيومي فؤاد وأحمد فهمي وغيرهم، مما انعكس زيادة في حجم الإنتاج والمكاسب المادية فقط. لكن، لم ينعكس ذلك تطوراً في المستوى الفني، الذي شهد تدهوراً في مستوى الكوميديا والموضوعات السينمائية بسبب الرقابة والرغبة في تحقيق مكاسب مضمونة.

وحقّقت صالات السينما العام الماضي إيرادات وصلت إلى 800 مليون جنيه مصري جراء عرضها 42 فيلماً، وهو الرقم الأكبر منذ 10 سنوات. وشهد العام 2023، ظهور مفاجآت جديدة وظواهر سينمائية تستحق التوقف عندها، والتي من شأنها أن تجعل العام الماضي فارقاً في مستقبل السينما المصرية.

جمهور جديد للسينما السودانية وأفلام المهرجانات

ولعل أحد أبرز ظواهر هذا العام هو الفيلم السوداني "وداعاً جوليا" للمخرج محمد كردفاني، الذي حقّق نجاحاً كبيراً منذ أن انطالق عرضه في الصالات خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. في الأحوال العادية، ما كان هذا الفيلم المنتمي إلى سينما المهرجانات الفنية ليعرض سوى لأيام قليلة في صالات محددة لقلة معروفة من الجمهور وغالباً لا تُذكر أرقام إيراداتها لأنها لا تُحقق شيء.

على الرغم من ذلك، صار "وداعاً جوليا" بعد أسابيع قليلة أكثر فيلم عربي تحقيقاً للإيرادات في مصر بأكثر من 3 ملايين جنيه مصري، وهو رقم ضخم بالنسبة إلى أفلام المهرجانات والأفلام العربية في مصر، ومؤشر على عدم صحة الأسطورة القائلة بأن الجمهور لا يشاهد أفلام المهرجانات ويفضل الكوميديا والأكشن. وساعدت عوامل أخرى في تحقيق الفيلم للرواج في مصر، وأبرزها وجود جالية سودانية شكّلت ما يقارب 70% من جمهوره، إضافة إلى جودة العمل نفسه.

وكشف نجاح الفيلم تجارياً عن قاعدة جماهيرية جديدة في مصر من الجمهور السوداني المتعطش للسينما، والمؤثر في خريطة الإيرادات، بجانب قطاع جماهيري آخر تعرف على السينما السودانية من خلال الفيلم، مما يفتح الباب أمام تجارب فنية أخرى من هذا النوع لجذب هذه الفئات.

فيلم "الحريفة" يصدم منتجي السينما

لم تكن تلك القاعدة الإنتاجية الوحيدة التي تُكسر في السينما المصرية في نهاية 2023، إذ تكرّرت هذه الظاهرة مع عدة أفلام لا تخضع للتصنيفات التجارية مثل أفلام "وش في وش" و"فوي فوي فوي"، التي حققّت إيراداتٍ بلغت 30 مليون جنيه. ولكن المحطة الأبرز كانت في فيلم "الحريفة" مع بداية عام 2024، وهو الموسم السينمائي الأضعف عادة من ناحية الإيرادات مقارنة بمواسم الأعياد والصيف، ومع ذلك، حقق الفيلم إيرادات قياسية بلغت 55 مليون جنيه جعلته في صدارة شباك التذاكر خلال 5 أسابيع فقط قابلة للزيادة في الفترة المقبلة.

في المستقبل القريب، ستتوقف صناعة السينما المصرية مطولاً أمام النجاح الجماهيري لفيلم "الحريفة"، فهو عمل منخفض التكلفة، ويخلو من النجوم، ويعتمد على ممثلين يخوضون أولى تجاربهم التمثيلية، مثل مغني المهرجانات كزبرة ونور البنوي ومحمد غزي. والأمر نفسه ينطبق على المخرج رؤوف السيد والمنتج طارق الجنايني والمؤلف إياد صالح، الذين خاضوا سوياً غمار تجربتهم الأولى في السينما.

واكتسح "الحريفة" المنافسة بقصة اجتماعية خفيفة عن مجموعة طلاب تجمعهم هواية لعب كرة القدم لتحقيق أهدافهم المختلفة في الحياة.

وحظي الفيلم بدعاية تفاعلية من الجمهور بعد مشاهدته، ممّا يفسر تصاعد إيراداته تدريجياً، وأعطى درساً صادماً لمنتجي السينما، بأن النجاح التجاري الكاسح قد يأتي من خارج المنهج ومن دون الحاجة إلى صرف الملايين على الدعاية والنجوم. كما أنه دليل على إمكانية تحقيق النجاح بدون التفكير بالسوق السعودي، خاصةً أن الجمهور في مصر مازال يقظاً ومهتماً بالتجارب السينمائية الشابة والجديدة التي تستحق المشاهدة.

ومن المتوقع أن تدفع هذه التجربة المنتجين إلى تقليدها بإنتاج عشرات الأفلام الجديدة قليلة التكلفة بطاقم عمل من الشباب والصاعدين، مما قد يصنع موجة جديدة من نجوم السينما في المرحلة المقبلة.

ولكن قبل مرحلة التقليد، يجب أن يفهم المنتجون أن ظاهرة "الحريفة" و"وداعاً جوليا" لا تنفصل عن ظاهرة تحقيق الأفلام الأميركية إيرادات أعلى في شباك التذاكر المصري من نظيرتها المحلية، فحقّق فيلم "أوبنهايمر" وحده ما يقارب 45 مليون جنيه. ولعل الدرس الأهم هو أن يكف المنتجون عن لوم الجمهور على عدم الذهاب إلى السينما، وأن لا تقتصر أعمالهم على أصناف محدّدة، خصوصا أن الجمهور قال كلمته وعبّر عن ذوقه بوضوح في 2023، وأثبت بالأرقام أنه مستعد لملء قاعات السينما مجدداً، ولكن لمن يغامر ويستحق.

المساهمون