الموضة السريعة: العالم يخلع ملابسه ويرتدي السموم

الموضة السريعة: العالم يخلع ملابسه ويرتدي السموم

29 سبتمبر 2021
يضر انبعاث الكربون في صناعة الملابس البيئة بشكل كبير (Getty)
+ الخط -

توظّف صناعة الموضة مئات الملايين، وتدر إيرادات كبيرة، كما أنها تمس الجميع تقريبًا في كل مكان. بيد أنّ ظاهرة الموضة السريعة جلبت في السنوات الأخيرة، بشكل عام، تأثيرًا سلبيًا هائلاً على البيئة، قد لا يكون كثير من الناس على دراية به. ومصطلح "الموضة السريعة" يعني الاتجاه المتمثل في الملابس العصرية منخفضة الكلفة، التي تبيعها العلامات التجارية العملاقة، وأدّت إلى تسريع الضرر بالبيئة.
ومن المتوقع أن تستخدم صناعة الأزياء 25 في المائة من ميزانية الكربون العالمية بحلول عام 2050، ما يجعلها واحدة من أكثر الصناعات تلويثًا لتأتي في المرتبة الثانية بعد النفط.
ومنذ القرن العشرين، ازداد عدد الناس الذين يتخلّصون من ملابسهم بعد فترة قصيرة من استخدامها، وأصبحت صناعة الموضة معولمة للغاية. برز هذا الاتجاه بشكل أكبر على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، من خلال زيادة طلب الطبقة المتوسطة المتنامية في جميع أنحاء العالم وظهور "الموضة السريعة"، ما أدى إلى مضاعفة الإنتاج خلال الفترة ذاتها، وذلك بحسب تقرير جديد للمؤسسة الخيرية البريطانية "إيلين ماكآرثر"، التي تهدف إلى إنشاء اقتصاد دائري.
تشير التقديرات إلى أنه يتم التخلص من أكثر من نصف الأزياء السريعة المنتجة في أقل من عام تقريباً، وأنّ النظام الحالي لإنتاج الملابس وتوزيعها واستخدامها يعمل بطريقة "خطية" بالكامل تقريبًا، حيث يتم استخراج كميات كبيرة من الموارد غير المتجددة لإنتاج الملابس التي غالبًا ما تستخدم لفترة قصيرة فقط. ويعدّ النظام الخطي سلبياً، كونه لا يستغل الفرص الاقتصادية، ويضغط على الموارد، ويلوث البيئة الطبيعية ونظمها، ما يؤثر سلبا في المجتمع على جميع المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
كذلك، انخفض معدّل استخدام الملابس في جميع أنحاء العالم؛ إذ يبلغ متوسط عدد المرات التي تستخدم فيها الملابس قبل التخلّص منها 36%، مقارنةً بما كان عليه الحال قبل 15 عامًا. وفي حين أن العديد من البلدان منخفضة الدخل لديها معدل مرتفع نسبيًا في استخدام الملابس، لكن المعدلات في أماكن أخرى أقل من ذلك بكثير. ففي الولايات المتحدة، يتم ارتداء الملابس فقط في حدود ربع المتوسط العالمي. ويتجلّى النمط ذاته في الصين، حيث انخفض استخدام الملابس بنسبة 70% خلال الخمسة عشر عامًا الماضية.
في هذا الشأن، يقول عبد الله أبو ملحم، مدير التعليم في مدرسة لندن للأزياء والتصميم Instituto Marangoni، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنّ السؤال الحقيقي: "ما هي الموضة المستدامة؟". تدعي كثير من العلامات التجارية أنها تتبع قواعد محددة من أجل الاستدامة، لكنها للأسف تقصّر عندما يتعلق الأمر بـ"المسؤولية" والحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات المعروفة بالإنكليزية بـESG. ويشير إلى أنّه يجب التعامل مع الاقتصاد الدائري والحلول المستدامة من جميع وجهات النظر، بدءًا من نماذج الأعمال والأيديولوجيات حول كيفية إنشاء القيمة والتقاطها.

يكمل أبو ملحم أنّه يُزعم أن الاقتصاد الدائري يساعد المجتمعات والأعمال لتصبح أكثر استدامة. ومع ذلك، يُساء فهم هذه الفكرة على نطاق واسع، وغالباً ما تتم المبالغة فيها. ما نحتاج إليه هو نظام بيئي جديد بالكامل يتمحور حول الاستدامة فقط، ولكن هناك أيضًا جوانب مهمة أخرى من "المسؤولية" التي تتفوق على الجوانب البيئية. ويرى أنّ التعليم هو المفتاح، وهذا يستدعي حاجة قوية لإعادة تصميم مناهجنا الأكاديمية حول موضوعات مهمة، مثل "ممارسات الأعمال المسؤولة" والمسؤولية الاجتماعية للشركات، والأساليب الجديدة للاقتصاد.
في الواقع، تعتمد صناعة المنسوجات غالباً على موارد غير متجددة، يبلغ حجمها الإجمالي 98 مليون طن سنويًا، بما في ذلك النفط، لإنتاج الألياف الاصطناعية والأسمدة لزراعة القطن والمواد الكيميائية لإنتاج وصبغ الألياف والمنسوجات. يستخدم إنتاج المنسوجات (بما في ذلك زراعة القطن) أيضًا 93 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، ما يساهم في حدوث مشاكل في بعض المناطق التي تعاني من شح المياه.
تمتد البصمة الهائلة لهذه الصناعة إلى أبعد من استخدام المواد الخام. ففي عام 2015، بلغ إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من إنتاج المنسوجات 1.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون؛ ما يعادل أكثر من جميع الرحلات الجوية الدولية والشحن البحري مجتمعين. ولهذه الصناعة أيضًا تأثيرات محلية مباشرة، لأن استخدام المواد المثيرة للقلق في إنتاج المنسوجات له آثار سلبية على المزارعين وعمال المصانع والبيئة المحيطة. في حين أن هناك القليل من البيانات حول حجم المواد المثيرة للقلق المستخدمة في جميع أنواع هذه الصناعة، فمن المسلم به أن تصريف إنتاج المنسوجات يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه التي تحتوي على مواد كيميائية خطرة في البيئة. على سبيل المثال، يُعزى 20% من تلوث المياه الصناعية على مستوى العالم إلى صباغة المنسوجات ومعالجتها.
في السنوات الأخيرة، تم تحديد صناعة المنسوجات كمساهم رئيسي في قضية دخول البلاستيك إلى المحيط، وهو مصدر قلق متزايد بسبب الآثار البيئية والصحية السلبية المرتبطة بها. تشير التقديرات إلى أن قرابة نصف مليون طن من الألياف الدقيقة البلاستيكية تتساقط أثناء غسل المنسوجات البلاستيكية، مثل البوليستر والنايلون والأكريليك، وينتهي بها الأمر في المحيط سنويًا.

يعتمد اقتصاد المنسوجات الجديد على أربعة عوامل، ونجاحه يعني نتائج اقتصادية وبيئية ومجتمعية أفضل، واغتنام الفرص التي أهملها نظام المنسوجات الحالي الخطي. أولاً التأكد من أن مدخلات المواد آمنة وصحية تسمح بالتدوير وتجنب الآثار السلبية أثناء مراحل الإنتاج والاستخدام وبعد الاستخدام. ثانياً، تغيير طريقة تصميم الملابس وبيعها واستخدامها، للقضاء على طبيعتها التي تجعلها قابلة للرمي بشكل متزايد، وذلك عن طريق إنتاج ملابس ذات جودة عالية، وثالثاً تحسين إعادة التدوير، ورابعاً الاستفادة الفعالة من الموارد والانتقال إلى المدخلات المتجددة.
وتبقى إحدى أكثر الطرق فعالية التي يمكن للأفراد من خلالها إحداث تأثير إيجابي على هذا الكوكب، هي اختيار الأقمشة المستدامة.
من جهتها، تقول الحركة البيئية العالمية "تمرد ضد الانقراض"، إن مليار حيوان يُقتل من أجل الجلود كل عام، بينما تتم دباغة 85 في المائة من الجلود في العالم بالكروم، وهي مادة سامة للغاية غالبًا ما تترك عمال المدابغ مصابين بالسرطان وأمراض جلدية. وتعتقد أن صناعة الأزياء تحتاج إلى التوقف عن استخدام الموارد البكر لإنشاء مواد جديدة، وبدلاً من ذلك "استخدام وإعادة توظيف ما لدينا بالفعل"، وتنصح بعدم التشجيع على المزيد من الاستهلاك، كونه سيزيد من سوء البصمة البيئية للأزياء، وتقول إن أول شيء عليك القيام به لتحسين الاستدامة هو التوقف عن التسوق والمحافظة على الملابس التي تمتلكها بالفعل.

هناك الكثير من الأدلة التي تثبت أن الموضة تحمل في طياتها بصمة بيئية خطيرة للغاية. وبحسب بيانات تقرير "نبض صناعة الأزياء" لعام 2019، ترتبط صناعة الأزياء بصناعة الثروة الحيوانية، واعتبرت آنذاك ثالث أكثر الصناعات تلويثاً في العالم على الأقل، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكنّ آثارها المدمرة للبيئة تأتي بعد الكهرباء والحرارة والزراعة والطرق النقل، وإنتاج النفط والغاز، وهو ما يعدّ تأثيراً هائلاً بدأ يلفت انتباه العالم للتحرّك والقيام بشيء حياله.

المساهمون