الحدائق الإيكولوجية في المغرب... علاقة هشة مع المقيم والسائح

الحدائق الإيكولوجية في المغرب... علاقة هشة مع المقيم والسائح

02 أكتوبر 2021
الفضاءات الإيكولوجية قادرة على أنْ تُحرّر المغرب من صورته التقليدية (حديقة أنيما/ فيسبوك)
+ الخط -

أكبر وهمٍ تعيشه الفضاءات والحدائق الإيكولوجية في المغرب، رغم عدم ريادة البلد في هذا المضمار، إلا أنّها تُقدّم نفسها في كونها حدائق صناعية تقوم على نمطٍ بيئي ينزع صوب خلق مساحاتٍ خضراء، بالاستناد على نوعٍ من التعاون والشراكة، بين الشركات العامّة والمؤسّسات الخاصّة، بغية تقديم حدائق تستجيب لحاجات للإنسان المعاصر وراحته.

هذه الحدائق، على قلّتها، تبقى ذات علاقةٍ هشّة مع الزائر المغربي، أو حتّى السائح الأجنبي؛ بحكم غياب شروط ومواضعات وخصائص الحدائق الإيكولوجية، كما نلمحها في العالم. إذْ إنّ الزائر/ السائح، لا يعثر فيها على أيّ جديدٍ يُذكر أو أيّ شيءٍ يُلفت النظر جماليّاً داخل هذه المساحات الخضراء التي تتعدّى الآلاف من الهكتارات، على الرغم حرص الدولة على العناية بهذا الفضاءات، وتشييد حدائقها داخل مناطق سكنيّة مهمّة لاستقطاب عدد وافر من سكان المدينة، والانخراط المدني في منشآتها.

عملية الاستقطاب تظلّ ضعيفة، مقارنة بفضاءات البحر والمسابح والمقاهي والجبال. السبب يرجع بالأساس إلى أنّ المواطن المغربي لا يعثر على أيّ شيء يجعله يتردّد على هذه الحدائق. باتت هذه الفضاءات وكأنّها مساحات مخصّصة للأطفال، لما يتوفّر فيها من مظاهر الترفيه واللعب. لكنّ المُثير للدهشة أنّ هذه الحدائق الإيكولوجية يزداد الطلب عليها كثيراً إبان شهر رمضان، حيث يجد المغربي فيها ملاذاً للراحة قبل أنْ يحلّ موعد الإفطار، وسرعان ما يتوافد عليها ساكنة المدينة بعد فترة الظهيرة لقضاء الوقت هناك واللقاء بالأصدقاء وممارسة الرياضة. مع العلم أنّ هذه الأخيرة تُعدّ من الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الدولة ومعها المجتمع المدني، حيث يدعون الناس للممارسة الرياضة ومختلف أشكال الحركات البدنية داخل هذه الفضاءات على خلفية كونها مساحات خضراء تقلّ فيها نسبة التلوّث. 

لم يستوعبوا قانون "الفضاء العمومي" كما نظّر له هابرماس، بوصفه مختبراً للابتكار والإبداع، لا لممارسة الرياضة والترفيه والاستسهال. على هذا الأساس، لا غرابة أنْ يشعر بعض السياح بنوعٍ من الامتعاض بسبب فضاءات الأكل والاستجمام المُنتشرة هناك. ما يُفسّر نظرة القيّمين على هذا المجال الحيوي، الذي من الممكن أنْ يكون متحفاً مفتوحاً على الهواء الطلق، يحتضن أجمل أعمال الصنائع التقليدية المغربيّة وأكبر منحوتاتٍ عربيّة، لم تجد طريقها داخل ردهات المتاحف.

الفنّ عاملٌ أساسيّ في تحميل حياتنا اليوميّة وتهذيب الذوق الجماليّ العام. إلى متّى ستظلّ علاقتنا بالفضاء العمومي هشّة ويشوبها نوعٌ من الاضطراب؟ إنّ الفضاءات الإيكولوجية قادرة على أنْ تُحرّر المغرب من صورته التقليدية للفنون والصنائع والمنحوتات، بطريقةٍ يُغيّر معها نظرته للصورة وعداءه التاريخيّ معها، بما يجعلنا نعيش حداثة مُكتملة وغير مُتصدّعة في منطلقاتها ومعالمها.

ثمّة كثير من الفنانين والصنّاع الذين يتلاشى إبداعهم وأعمالهم بمجرّد رحيلهم. وبغياب المؤسّسات الفنيّة التي تُعنى بالإنتاج الفنيّ والأثري في المغرب، فإنّ أغلب هذه المنحوتات يُصيبها الهدم والتخريب. إنّ الفضاءات الإيكولوجية أكثر من كونها أماكن خضراء تتوزّع مساحتها الطيور والبطّ والقرود والنباتات على كافّة أشكالها، بل إنّها تتعدّى هذه الوظيفة الاستجمامية والترفيهية القائمة على الاستهلاك والعرض والطلب.

المساهمون