الجريمة على الشاشة والجمهور في بحثه عن الدليل

الجريمة على الشاشة والجمهور في بحثه عن الدليل

عمار فراس

avata
عمار فراس
04 مارس 2022
+ الخط -

أخيراً، بثت منصة "نتفليكس" فيلم التحقيقات الوثائقي "محتال تيندر" (The Tinder Swindler). تتبعنا مع "الناجيات" وفريق التصوير كيف أوقعوا بمن استغلهنّ، ثم كيف قُدّم للمحاكمة. هذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيها نتفليكس إلى منصة صحافية استقصائيّة؛ إذ تكرر الأمر سابقاً مع مسلسل "لا مزاح مع القطط" (Don't F**K with Cats: Hunting An Internet Killer)، الذي كشف أيضاً عن مجرم آخر تتبعه مستخدمو الإنترنت، وتعاونوا مع السلطات والصحافيين لتسليمه للعدالة.
ما نحاول مساءلته هو هذا النوع من الوثائقيات/ التحقيقات القائمة على الجهود الفردية لأولئك الأشخاص غير المختصين، أي عندما يقوم الجمهور العادي، متابع وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام معارفه وخبراته في "التصفح"، من أجل الكشف عن "الحقيقة". الملفت في هذا الشكل من التحقيق الذاتي هو أن الضحايا، أو من يجدون أنفسهم معنيين بالأمر، هم الذين يقومون بجمع الأدلة وترتيبها والتواصل بعضهم مع بعض، ثم مع السلطات. الأمر أشبه بصحافة المواطن، التي ميدانها هذه المرة ليس أرض الواقع، بل الفضاء الرقميّ؛ إذ نشاهد في العملين كيف تحولت الصور والتعليقات المنشورة علناً إلى "أدلّة"، تكشف عن احتيال ما أو جريمة خفيّة.


الملفت هو حِرَفية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي و"الإنترنت"، وقدرتهم على تفسير رموز هذا العالم و"حقائقه"، الشأن الذي لم تنظر إليه السلطات بجديّة، خصوصاً في ما يتعلق بفيلم "لا مزاح مع القطط". هذه الواقعية السايبرية والعلاقات ضمنها، وطبيعة التواصل فيها، مرعبة؛ إذ لا يمكن أن ننسى كيف تتبع "المشاهدون" مكان منزل المتهم في "لا مزاح مع القطط" عبر خرائط غوغل، وتمكنوا من مقارنة صوره مع الصور المتاحة للعلن. الرعب هنا، مفاده استحالة الاختفاء، أو التحكم بشكل كامل بما ننشره على الشاشة، وما نريد من الناس أن يعرفوه عنّا؛ أي بصورة أبسط، مكان كل واحد منا يمكن تحديده من صورة واحدة فقط.
هناك نوع من العدالة الشعبية التي تحققها هذه الأنواع من التحقيقات، ليس لأن الصحافيين والشرطة هامشيو الدور، بل لأن "العقاب"، أحياناً، يتم من قبل الضحايا أنفسهم، وهذا ما حصل بداية مع محتال تِندر، إذ قامت إحدى ضحاياه بالإيقاع به وبيع ثيابه. هناك رضا ما على وجهها ووجوه الضحايا، وعلى وجوهنا نحن المشاهدين من منازلنا، سببه تحقيق العدالة على يد "المظلوم". أما الجدل حول اعتقاله ومحاكمته، فشأن آخر. ما يميز هذا العمل أن "العقاب" وقع ونحن نشاهد الفيلم؛ الذي يشبه حكاية بوليسية، التحقيق فيها انتهى وتمت الإدانة ثم العقوبة.
يكشف لنا هذا الشكل من الوثائقيات عن مساحة للجريمة، الواضح أنها ما زالت خارج التقنين، ولا نتحدث هنا عن الجرائم السايبرية من قرصنة وابتزاز وغيرها، بل عن تلك التي توظف الأداء أمام الشاشة والواقع الافتراضي لرسم الذات من أجل التلاعب بالضحايا والإيقاع بهم. هنا نحن أمام مساحة شديدة الضبابية، والقانون غير واضح تجاهها، وهذا ما يتضح في محاكمة محتال تندر، وطبيعة التهم التي وجهت إليه، ثم إطلاق سراحه لـ"حسن السلوك".
لكن، لا بد أن نشير إلى نقطة شديدة الإشكاليّة، هناك بالأصل ما هو مريب في سلوك محتال تِندر، نعم هو استخدم الخديعة عبر المظاهر لإغواء ضحاياه والسيطرة عليهن و"سرقة" أموالهن، لكن ألا يمكن أن نتهم النساء أيضاً بالسذاجة؟ هل تكفي مواعدة شخص لشهر أو حتى شهرين لإدانته بخمسة آلاف دولار؟

لا نحاول أن نحكم على الضحايا أو نلومهن، لكن أيضاً، هناك ما هو انتقامي في المسلسل؛ العدالة الشعبيّة مرعبة في حال لم تكن مضبوطة، والغضب قد يعمي الأعين عن "الإنصاف في العقاب"... وهذا بالضبط ما يثير التساؤل، أليس من الممكن أن نوقع بأي شخص في حال قمنا بتتبعه وترصده على الإنترنت؟ أو على الأقل متابعة نشاطه العلني، كما يحصل في هوليوود حيث "يلغى" شخص ويختفي لأنه غرد منذ عشرة أعوام نكتة سمجة عن المتحولين جنسياً؟

ذات صلة

الصورة

منوعات

أثار كاريكاتير نشرته صحيفة الراي الكويتية، الأحد، استياء الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في الكويت، الذين انتقدوا الصحيفة بسبب الكاريكاتير الذي وصفوه بـ"المسيء" لموقف الدولة الرسمي والشعبي من دعم القضية الفلسطينية.
الصورة
مياو كات كافيه (عبد الحكيم أبو رياش)

منوعات

دفع حُب الخمسينية الفلسطينية نعيمة معبد من مدينة غزة للقُطط إلى افتتاح مشروع "مياو كات كافي"، وهو أول مقهى مُخصص للقِطط، يُتيح لمُحبي هذه الحيوانات قضاء أوقات مُسلية مع تلك الحيوانات الأليفة، إلى جانب المشروبات الساخِنة والباردة.
الصورة

مجتمع

منذ ثلاث سنوات، جمعت وليام نون وماريا فارس مأساة خسارة أعز الناس جراء انفجار مرفأ بيروت المروع. وبعد أسابيع، سيجمعهما زواج يكلّل حباً وُلد من رحم الأحزان، ويكرس عهدهما بالنضال حتى تحقيق العدالة لضحايا الكارثة.
الصورة
لمى غوشة (هبة أصلان/فرانس برس)

منوعات

بعد عشرة شهور قضتها الصحافية المقدسية لمى غوشة في الحبس المنزلي، تتحدث لـ"العربي الجديد" عن هذه التجربة، وتأثيرها عليها كفلسطينية وكأم تعيش تحت نير الاحتلال.

المساهمون