الإعلام الغربي غارقاً في جهله: التحرش الجنسي والربيع العربي

الإعلام الغربي غارقاً في جهله: التحرش الجنسي والربيع العربي

29 ديسمبر 2020
طالبت النساء بحقوقهن وبالمساواة في الثورات العربية (Getty)
+ الخط -

بعد 10 سنوات على الثورات العربية، وما حصل من أحداث وأزمات نكّلت بأحلام المحتجين الذين خرجوا إلى شوارع بلادهم كي يصنعوا مستقبلاً أفضل لهم، يخرج بعض الإعلام الغربي التنميطي، وحتى العربي المقلد له، متهماً "الربيع العربي" بكوارث، بينها حالة المرأة العربية. 

فمن بوابة ذكرى الثورة المصرية، ذهب عنوان صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية ليقول إنه بالنسبة للعديد من النساء المصريات أصبح الربيع العربي "دائرة من الجحيم". وفي مقدمة تقرير "يولاندس بوستن" (ذات التوجه اليميني) تتحدث مراسلة سي بي أس الأميركية، لارا لوغان، التي تعرضت لأحطّ أفعال التحرش الجنسي، عن تجربتها، فيما تحاول الصحيفة ترسيخ التنميط والتشويه لثورة "ميدان التحرير".  
قصة لوغان شكلت مقدمة لتقرير يضع الربيع العربي في قفص اتهام، عن تراجع حقوق النساء واتساع ظاهرة التحرش والاعتداءات الجنسية في دنيا العرب، وخيبتهن من الثورات التي شاركن فيها، باعتراف الصحيفة. 

بين السطور نقرأ كلاما للحقوقية المصرية عزة سليمان، عن أن "الأمر ازداد سوءاً بالنسبة للنساء في أكبر الدول الشرق أوسطية وأكثرها تأثيرا على المشهد منذ الربيع العربي".  

خبيرة شؤون الشرق الأوسط في المنظمة الحقوقية النسوية الدنماركية "كفينفو"، كاترينا بلومكفيست، تحدثت عن خيبة النساء من ثورة 25 يناير والربيع العربي بالعموم، بالقول إنه "كان هناك الكثير من التوقعات لمستقبل جديد، وكان هناك حماس كبير بين الحركة النسائية والنسويات، كن يأملن في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولكن أيضًا لأنهن توقعن أن تكون الثورة بمثابة تحرير للمرأة". بلومكفيست قالت أيضا إن "(رئيس النظام عبد الفتاح) السيسي يتحدث عن حقوق المرأة، لكن غالبا ما تكون أقاويل للفوز بهن وليس انتصارا لهن". وتعترف كاترينا بلومكفيست بأنه "بشكل عام، أحكم النظام قبضته، وزاد من تآكل المؤسسات الديمقراطية. وبات من الصعب والخطير على المجتمع المدني الانتظام". 

وسائل إعلام عربية وغربية تربط التنكيل بالنساء بالثورات العربية التي طالبت أصلاً بالحقوق والحريات

رغم ذلك أصرت "يولاند بوستن" على النمطية والسطحية باستعراض الربيع العربي كمتسبب بجرائم الاعتداء الجنسي المستشرية في أكثر من مكان، بالرغم من أنّ الثائرين العرب طالبوا بإصلاحات وتعديلات قانونية في هذا المضمار، لكنّ الأنظمة لم تسمح بإحراز أي تقدّم. فالصحيفة تعطي جردة عن أن "نساء مصر وسورية واليمن وليبيا ساء وضعهن بعد الربيع العربي"، مستثنية تونس.

 

ببعض التفحص للصحافة الاسكندينافية، خصوصا تلك المفضلة لأنظمة الاستبداد، نجدها تحبذ بقاء الصورة العربية في إطارها التقليدي المتخلف والوحشي، دون استعراض أسباب أو خوض في تفاصيل اجتماعية-سياسية، ومسؤولية أنظمة الحكم، على الأقل كما تفعل الرزينة حولها، أو بعض العربية مع الشؤون الأوروبية. وفي التغطية ثمة ما يثير الانتباه في استعراض كادر التقرير للثورة المصرية وكأنه لم يجرِ الانقلاب عليها، إذ تغيب كلمة انقلاب عسكري لمصلحة "أسقط الرئيس المنتخب محمد مرسي وانتخب الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيسا". والنقاش هنا يفترض جازما أن حكم السيسي هو نتاج "ثورة 25 يناير"، وليس انقلاب يوليو 2013، وأن سوء أحوال نساء العرب، ورجالها، في الثورات المضادة والانقلابات، ليس في نهاية المطاف سوى حصيلة الربيع العربي. 

هل التحرش والاعتداءات الجنسية التي تطاول النساء والفتيات العربيات وليدة ميدان التحرير، وميادين الثورات العربية؟ للأسف، يضطر المرء لطرح مثل ذلك السؤال، وخصوصاً أمام كم التزوير والانتحال الملصق بثورات الحرية العربية. بالتأكيد ظاهرة التحرش والاغتصاب، التي تقول عنها الحقوقية عزة سليمان إنها صارت "تستخدم كأداة انتقام حتى ضد غير الناشطات سياسيا"، سابقة للثورات العربية، وهي مستفحلة بعدها، خصوصاً في ظلّ ثورة رقمية باتت تتيح للجميع القدرة على معرفة التجارب الشخصية اليومية لملايين النساء.

تستخدم الأنظمة الاغتصاب والتحرش كأداة انتقام سياسية ضدّ الناشطات سياسياً وحتى غير الناشطات

هل فعلاً يقع اللوم على من طالبوا بحقوقهم والعدالة؟ يبدو أن تحميل الباحثين عن الحرية مسؤولية هذا الدرك الذي تسير إليه أمة صار نمطاً إعلامياً مارسه العربي "التقدمي" و"الرجعي"، بسؤال أبله: "أهذه هي الحرية التي تريدون؟". كم من معتقلة عربية تعرضت للاغتصاب تعذيبا في زنازين الحكام؟ وكم من قاضٍ خلفه يافطة "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" بصق في وجوه ضحاياه، فكسرن قطعا مرمية لشارع وبيوت تحول فيها مفهوم "الشرف" إلى ما دون الآدمية. 

الثورة في شوارع العرب لم تكن لأجل الإجابة على أسئلة سخيفة لدى الناطقين باسم طرفي معادلة قدر الاستبداد. وما خرج الناس، من تونس إلى القاهرة وطرابلس ودمشق وبيروت وبغداد والبحرين إلى صنعاء وغيرها، إلا لاستعادة كرامة وحرية يصر على احتقارهما وضيعون، نيابة عن مشغليهم من أصحاب الياقات، حفاظا على "وقار" يخفي قذاراته.  

ما خرج العرب، يصبون آمالهم في الشارع، كي يقال تزويراً إن الكوارث الحاصلة هي نتاج ثوراتهم ورغباتهم هم، بل لكسر قيود الاستعباد، وتحطيم ممارسة الفساد والاستبداد السياسي. خرجوا طلباً للحريّة والعدالة والحقوق، وحقوق النساء بينها. ثاروا على الظلم، لكنّ ظلماتٍ أخرى كانت بانتظارهم، في ظلّ تفرّج العالم بأسره، سياسياً وإعلامياً.

المساهمون