"قوة الطبيعة"... عنفٌ موازٍ للعاصفة

"قوة الطبيعة"... عنفٌ موازٍ للعاصفة

16 أكتوبر 2020
العنف والحركة والخراب مواضيع أثيرة في سينما مايكل بوليش (Imdb)
+ الخط -

تقتحم الشرطة المبنى للتأكّد من صحّة خلفية لصّ، يُحاول شراء كمية كبيرة من اللحم لكلبه الضخم. يخبر لوي جو (لويلّو رويز)، حارس المبنى، الشرطي كارديلو (إيميل هيرش) أنّ الطبيبة تروي (كايت بوسورث) ـ المقيمة في المبنى نفسه ـ تحاول نقل والدها المُتقاعد (مِلْ غيبسون) إلى المستشفى لغسل الكلى، بعد تعطّل الجهاز، لكنّه يرفض الذهاب إلى "مركز سانترو الطبي"، لسمعته السيئة، وبسبب العاصفة الهوجاء، بدرجاتها الخمس، المستمرّة منذ ساعات في تخريب المدينة. يُخبر الشرطيّ الطبيبة أنّه غير مُخوّل بأنْ يُخرج مريضاً من بيته في عاصفةٍ كهذه. وبينما يُرافق الطبيبةَ لمساعدتها في إخراج عجوز آخر من داخل شقة في المبنى نفسه، تقتحم عصابة المبنى لسرقة لوحات فنية باهظة الثمن، فيضطر الشرطي المُتقاعد إلى استعادة بذلته ومسدسه للدفاع عن الشرطي كارديلو ومساعدته وابنته وصاحب الكلب المُميت.

هكذا، غيّر المخرج مايكل بوليش (1970) خطة حكاية فيلمه "قوّة الطبيعة" Force of Nature (2020) إلى القتل والعنف، على إيقاع عاصفة، تشتدّ سرعتها بحسب سردية الفيلم، بأسلوبٍ تشويقي يحتكم إلى سرعة الحركة وغموض الحكاية وتداخلها مع قصص وسياقات خارجة على مسار الحكاية الأصل. لكن السياقات والفروع الحكائية تلعب دوراً مُهمّاً في تقريب الحكاية الأصل إلى ذهن المُشاهد، وتجعله يستوعب الفيلم، فهي لا تختلف من حيث تجلياتها الجمالية عن تقنية الـ"فلاش باك"، وقدرتها ليس فقط على العودة إلى الماضي، بل أيضاً على استحضار الماضي إلى الحاضر، وجعله آلية للتخييل والحلم وصنع المعنى، وجعله أفقاً جماليّاً للحكاية في سلّم لقطاتها.

لجأ بوليش إلى هذه الفروع/ الشذرات الحكائية، وأمضى نحو 18 دقيقة لتقديم الشخصيات والعوالم المُتخيّلة والكيفيات، المؤدّية إلى وجود الشخصيات في فضاء المبنى، الذي تدور فيه الأحداث.

استند الباقي إلى العنف والمقاومة والقتل، من دون أيّ تخييل أو إنتاجٍ لصُوَرٍ جديدة. لكنّه، من جهة أخرى، وضع الإنسان أمام فكرة ما يُمكن أنْ يتعرّض له من عُنفٍ أو سرقة في حياته، رغم جماليّات تقديم الحكاية وبراعة الممثلين ونجاحهم في بعض المَشاهد في جعلها تبدو كأنّها حقيقية وقريبة من الواقع، بحكم تباين مستوياتهم الأدائية المُتقاربة أحياناً، وتجعلهم ينجحون في خلق انسجامٍ بين مفهوم الحكاية والقدرة على الأداء والتناغم مع بعضهم البعض، فيظّل عنوان الفيلم بعيداً عن مضمونه وحكايته.

العاصفة نفسها تشتغل وفق مسارين، يختلف أحدهما عن الآخر: للأول علاقة بمدى التأثير على خطّة الحكاية وسرديّتها ومسارها، فتقود نتائجها السيناريو وترسم آفاقه وتصنع أفراحه وخيباته. الثاني مُرتبط بكونها عنصراً جمالياً، يُجمِّل الصورة، ويجعل مفهوم العنف داخلها يتّخذ أبعاداً إنسانية وجمالية، إما عن طريق الصورة، أو جماليّات صوت المطر وأبعاده المُرتبطة بالقوّة والخوف والماضي والذاكرة والأحلام وغيرها من علاماتٍ دلالية، تُحاول خلق مجد للصورة، لتكسير حدّة العنف والحركة والتشويق، إزاء قوّة حكاية تُحاول السيطرة على سرديّة الصورة وعنفها. لكن، سرعان ما يتدخّل الجسد ليُمارس تسلّطه إزاء الحكاية نفسها. ليست المرة الأولى التي يجعل مايكل بوليش فيها العنفَ والحركة والخراب مواضيع أثيرة لصناعته السينمائية.

في "فاقد الذاكرة" (2014)، تناول هذه العوالم بطريقة أكثر جدية، مقارنة مع جديده، الذي لم يخرج من أسر أفلام الحركة الهوليوودية، التي اكتسحت الشاشة الكبيرة منذ منتصف القرن العشرين. مع ذلك، يُبالغ بشكلٍ مُفرطٍ، في "قوّة الطبيعة"، في التركيز على أسلوب الحركة والتشويق، الذي لم يعُد مُهمّاً فنياً، نظراً إلى الفيلموغرافيا العالمية الجديدة، وتحوّلاتها المفاهيمية والجمالية، وإنْ كانت هذه الأساليب السينمائية لا تزال تكتسح شبّاك التذاكر في الصالات الأميركية، بطريقة بات معها نوع هذه الأفلام كأنّه يُشكّل تراثاً سينمائياً تجارياً، يُمارِس سُلطته على مختلف الأنواع الفيلمية الأخرى.

 هذا البُعد التجاري في الصناعة السينمائية يستهوي كثيراً مايكل بوليش، الذي يُركّز عليه كثيراً في "قوّة الطبيعة" على حساب عناصر فنية وجمالية أخرى، تُحرّر الصورة من القهر والقتل والعذاب والخراب، فهذه أشياء لا قيمة لها، إذا لم يُفكِّر، عبرها، في صنع صُوَرٍ مُبتكرة عن الواقع الذي تنتمي إليه. لم ينتبه بوليش إلى هذا، فغدت المَشاهد استعراضاً كرنفاليّاً لعُنفٍ وحركةٍ مُتناغِمَين مع إيقاع عاصفةٍ هوجاء، تُحاول فرض نفسها كمُؤثّر صوتي وبصري يصنع جماليات الفيلم.

المساهمون