أغانٍ يؤديها الموتى: الوقت لا ينتظر أحداً

أغانٍ يؤديها الموتى: الوقت لا ينتظر أحداً

28 يونيو 2019
صدرت أغنية جديدة لفريدي ميركوري (Getty)
+ الخط -
في التسعينيات، كانت هناك نكتة دارجة يتداولها الناس في كل مناسبة يتحدثون بها عن الأغاني والإصدارات الجديدة، إذْ يقحمون في حديثهم أسماء الموتى، أمثال عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، ويتحدثون بسخرية عن إصداراتهم الجديدة التي اكتسحت الأسواق.

وهذا النوع من النكات لم يكن مقتصراً على الشارع، بل كانت له تداعيات على شاشة التلفزيون، إذْ تم استخدام هذه النكتة في عدة برامج ومسلسلات كوميدية في سورية ولبنان. اليوم، لم يعد الأمر غريباً البتة، فقد اعتاد الجمهور على الاستماع لإصدارات وأغانٍ جديدة للمشاهير الموتى في العقد الأخير. بل باتت إصدارات الموتى جزءاً لا يتجزأ من الأغاني الجديدة التي تصدر في كل عام، وعدد هذه الأغاني يزداد بشكل مستمر.

هكذا صدرت عشرات الأغاني لآفيتشي بعد رحيله، وصدرت أيضاً عشرات الألبومات لمغنين وفرق مات مؤدوها، كما حدث مع فرقة "ذا كرانبيريس" الشهر الماضي، كما أن الأمر بات مألوفاً أيضاً في العالم العربي، إذْ تم إصدار ألبومين لريم البنا بعد رحيلها؛ وبذلك لا تكون النسخة الجديدة، التي صدرت لأغنية Time waits for no one بصوت مغني فرقة "كوين"، فريدي ميركوري، حدثاً فريداً من نوعه، وإن كان قد مضى على رحيل ميركوري 28 سنة.


هذه الظاهرة التي باتت أحد ملامح الإنتاج الفني المعاصر، تمت معالجتها درامياً مؤخراً في الحلقة الأخيرة من الجزء الخامس من مسلسل الخيال العلمي "بلاك ميرور"، التي لعبت دور البطولة فيها المغنية مايلي سايرس، وأخرجتها آن سويتسكي، وحملت عنوان "ريتشل، جاك وآشلي توو".

تسرد الحلقة حكاية مغنية بوب محبوبة اسمها "آشلي" (مايلي سايرس)، تقوم عمتها التي تعمل مديرة أعمال لها، بتسليعها وتعليبها من خلال التحكم بشكل كامل بالصورة التي تظهر بها، وإنتاج نسخ عنها على شكل دمى، وهو الأمر الذي يزيد من كآبتها. وعندما تبدأ بالتخطيط للتمرد على آلية الإنتاج التي تظهرها بأبعاد مسطحة، ولا تعكس هويتها الفنية الحقيقية، تقرر عمتها التخلص منها من خلال دس عقار طبي بطعامها يدخلها في غيبوبة. وفعلياً موت "آشلي" السريري يصب في مصلحة مديرة أعمالها، فهو من ناحية يزيد من جرعة تعاطف الجمهور معها، ويساهم بزيادة المبيعات والإيرادات، كما أن هذا الموت السريري يسهل من مهمة إنتاج أغانٍ جديدة للفنان الميت تلائم بشكل كامل ما يطلبه الجمهور، دون أن يكون للفنان وحساسيته تجاه العالم أي دور بعملية الإنتاج الفني.

وتضعنا هذه الحلقة أمام كثير من الأسئلة الأخلاقية حول هذه الظاهرة الفنية، فهي من ناحية تطرح السؤال حول رضا الفنان الراحل عن المنتجات الفنية التي تصدر بعد موته، ولا سيما أن العديد من هذه الأعمال تصدر باعتبارها تسجيلات نادرة تم العثور عليها للفنانين الراحلين، لم يقوموا هم بتبنيها وطرحها في الأسواق، كما هو الحال مع أغنية فريدي ميركوري الجديدة. كما تضعنا الحلقة أمام التساؤل حول شرعية إيرادات هذه الأغاني، بوصفها منتجات ثقافية تحولت إلى سلع، ويذهب "بلاك ميرور" أبعد من ذلك، ليوجه أصابع الاتهام نحو المستفيدين من هذه العملية التجارية.

المساهمون