تكريم يسر دولي: النظام السوري وتعويم أنصاف المواهب

20 أكتوبر 2016
يسر دولي (فيسبوك)
+ الخط -
"بيكفّي تقتل يومَك وإنت عم تفكر بـ بكرا. بيكفّي تقتل روحَك وإنت عم تفكر بـ جسمك. بيكفّي تشوف حالَك ناقص من أي شي ..الروتين وحدَك يلي تخلقه لـ حالَك، من التململ, التأفف ,التضجر ,وخوفَك الكبير من المجهول. لك بيكفّي .. شو هو المجهول يلي حاطط فيه كل شي سوداوي ؟! ولا شي .. ولا أي شي. بلّش يومَك بـ دقيقة ..".

هذه الكلمات التي تفتقر لجماليات اللغة، وتعاني من سطحية المعاني، والتي تتخللها الرموز التعبيرية (السمايلي فيس)، استطاعت أن تنال إعجاب أكثر من 3700 مستخدم على "فيسبوك"، وكرمت وزارة السياحة في سورية كاتبها، الشاعر يسر دولي.

وبدأ اسم يسر دولي بالظهور منذ بداية الثورة السورية، حيث أنشأ حينها صفحة على "فيسبوك"، وسماها "حكي فاضي ليسر دولي". ونشر في الصفحة منشورات باللهجة العامية تحدث فيها عن الحب والصداقة والجمال، وأمور أخرى بعيدة عن السياق الوطني والسياسي الدارج حينها، ولاقت صفحته إقبالاً غريباً من مستخدمي الموقع الأزرق. وكرّس إعلام النظام السوري هذه الظاهرة، فاستضاف دولي في عدد كبير من برامجه الإذاعية والتلفزيونية. وبعد هذا الدعم الإعلامي، استفحلت الظاهرة، وانتقل دولي من كتابة الشعر إلى إلقائه، فنشر العديد من الفيديوهات التي يلقي خلالها الشعر العامي بأسلوبه الدرامي المبالغ فيه، وسمى ما يقدمه بفن "الستاند آب دراما". وفي حين كان عشاقه يتزايدون، كانت الانتقادات الجارحة تطاوله باستمرار وتزيد من شهرته أيضاً، فانتشرت قصائد رديئة جداً له في عدد من الصفحات الثقافية وعلى نطاق واسع، مثل قصيدتي "الأسيتون"، و"بيكاتشو"، وكان سبب شهرتها النكت المحاكة حولها لا أكثر.
بعد هذه المسيرة الحافلة بالسخرية والانتقادات، جاء تكريم يسر دولي، بمثابة الإهانة المعلنة للشعر والشعراء السوريين. فكيف لدولة مثل سورية، أنجبت عبر تاريخها الطويل مئات الشعراء الأصيلين، مثل المتنبي وأبو فراس الحمداني ونزار قباني وأدونيس، أن يكرّم وزير السياحة فيها شخصاً مثل يسر دولي، وأن يصفه بالشاعر الكبير؟ ولماذا يقوم وزير السياحة بتكريم الشعراء؟ ما دور وزير الثقافة إذاً؟

في الواقع، لا يحتاج السوري إلى حدث "ثقافي ــ سياحي" مثل تكريم يسر دولي الذي تمّ منذ أيام بحضور وزير السياحة بشر يازجي، ضمن ملتقى "كلمات" الثقافي في فندق "داما روز"، لكي يعرف درجة الانحطاط الثقافي الذي تعيشه، فقصائد دولي ليست أسوأ من أغاني الحمزاوي، ومسلسلات فادي غازي، وأفلام جود سعيد، ومسرحيات زيناتي قدسية. فتكريم أنصاف الموهوبين، وإعطاء الفرصة الكاملة للفنانين الفاشلين ليس بالأمر الجديد على النظام السوري، ومع ذلك، فإن الصحف الداعمة للنظام حاولت إنكار الخبر، وتحججت بأن ملتقى "كلمات" ليس ملتقى رسميا، وبأن وزير السياحة ليس مخولاً لتكريم الفنانين والمبدعين السوريين، ليفضح تكريم دولي مؤسسات النظام السوري مجتمعةً، الثقافية والسياحية والإعلامية.


لكن تغطية الخبر كشفت حقيقة ما حصل، وهي ظاهرة متكررة منذ الشرارة الأولى للثورة السورية، حيث عمد النظام إلى تعويم هؤلاء لتكريس صورته "الحضارية ــ الثقافية" في مواجهة "همجية المعارضة" وفق رواية الإعلام الرسمي.
المساهمون