مخاوف من انفجار فقاعة عقارية في الجزائر

مخاوف من انفجار فقاعة عقارية في الجزائر

19 اغسطس 2016
من المستبعد انخفاض أسعار العقارات في المدى القريب (Getty)
+ الخط -
ظل الاستثمار العقاري في نظر الجزائريين ولعقود طويلة مربحاً، خاصة بعد خروج الجزائر من العشرية السوداء (1990-2000) بداية الألفية الحالية، حيث صاحب الزيادة السكانية المتسارعة ارتفاعُ أسعار الأصول العقارية، قابلها انخفاض مستوى المخاطر بفضل استقرار الاقتصاد الجزائري بفضل ارتفاع إيرادات الطاقة.
إلا أن تراجع إيرادات الطاقة بنحو الثلثين، ودخول الاقتصاد في حالة انكماش حاد، ألقى بظلاله على قطاع الأشغال العامة بصفة شاملة وعلى قطاع العقارات بصفة خاصة، الذي يعاني من زيادة بالأسعار لامست 50% في ظرف سنتين، بالموازاة مع تنامي وتيرة القروض العقارية بشكل لا يتماشى كلياً مع النظام الاقتصادي، وهي مؤشرات تُنبئ بفقاعة عقارية قريبة باتت تهدد الجزائر.
ويرى الخبراء أن مخاطر حدوث فقاعة عقارية في الجزائر تتزايد مع مرور الشهور نتيجة التوسع الشرائي للعقارات كوسيلة للاستثمار ولاكتناز الأموال في سوق العقار كاستثمار آمن، ومُحقق للأرباح في أوقات زمنية قصيرة، وليس بحثاً عن مسكن.
ويعتقد الخبير الاقتصادي الدولي عبد الرحمن مبتول، أن حدوث فقاعة في قطاع العقارات في الوقت الحالي ستكون له نتائج كارثية على الاقتصاد وعلى الطبقة التي اتجهت للقروض البنكية، لأنها ستكون عاجزة عن تسديد الديون نتيجة عجزها عن بيع العقارات، ما يدخل البلاد في أزمة سداد ديون. ويقترح مبتول، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن تراجع البنوك نسب الفائدة حتى تتعدى نسبة التضخم في البلاد.
وتُعرف الفقاعة العقارية بارتفاع معدلات بيع العقارات بصورة تفوق حجم الشراء، ما يترتب عليه لجوء مقتني الوحدات للبيع بأسعار منخفضة، ويزداد الموقف حدة عند اعتماد شريحة من مقتني الوحدات على القروض البنكية أو التمويل العقاري في شراء هذه الوحدات بغرض الاستثمار أو السكن الثاني، حيث سيضطرون إلى البيع السريع بأسعار أكثر انخفاضاً لتفادي تعرضهم لأزمة مالية.
ويستبعد المراقبون حدوث الفقاعة العقارية في الجزائر على الطريقة الأميركية أو مثل ما حدث في أوروبا أو الإمارات إبان الأزمة المالية العالمية في 2008، بسبب خصوصية المنظومة البنكية في الجزائر، وتسقيف حجم القروض العقارية من طرف الحكومة الجزائرية.
إلا أن تواصل انهيار أسعار النفط وتهاوي قيمة الدينار الجزائري، يدفع الجزائريين نحو استثمار مدخراتهم في العقارات التجارية حماية لأموالهم، وبالتالي سنكون أمام "فقاعة عقارية جزائرية الملامح" حسب الخبير في الشؤون العقارية كريم سدات.
وأوضح سدات، لـ "العربي الجديد"، أن سعر شقة في العاصمة الجزائرية ذات 3 غرف في أحد الأحياء الشعبية، يفوق 10 ملايين دينار جزائري (87 ألف دولار)، في وقت لا يبلغ متوسط الرواتب في الجزائر 40 ألف دينار (350 دولاراً)، ما يعني أن الجزائر على أعتاب فقاعة عقارية سببها عدة عوامل، منها الخوف من وضع الأموال في البنوك وتبييض الأموال والمضاربة.

ويستبعد المتحدث ذاته أن تنخفض أسعار العقارات في الجزائر في المدى القريب والمتوسط، رغم اتخاذ الحكومة لحزمة من الإجراءات، منها بناء أكثر من مليون وحدة سكنية موجهة لأصحاب الدخل المتوسط.
وتأتي هذه المخاوف من حدوث "فقاعة عقارية" في وقت دخل فيه قطاع الأشغال العامة في "غيبوبةٍ" بسب الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الجزائري منذ قرابة العامين، بعد تراجع عائدات بيع النفط من العملة الصعبة، حيث جمدت العشرات من المشاريع عبر محافظات البلاد بسبب نقص التمويل.
وتعاني أكثر من 12 شركة حكومية مختصة في الأشغال العامة والبناء، من نقص الأموال، وتنتظر إعلان حالة "الإفلاس" حسب ما علمت "العربي الجديد" من مصدر من داخل وزارة الأشغال العامة والنقل الجزائرية.
ويشغل قطاع الأشغال العامة حوالى 1.8 مليون شخص، أي ما يعادل 16.6% من اليد العاملة في الجزائر حسب آخر الأرقام التي كشف عنها الديوان الجزائري للإحصائيات الصادرة نهاية الشهر المنصرم، وهو من أكثر القطاعات تشغيلاً في البلاد.
كما تعاني العشرات من شركات المقاولة من شبح "ركود" عزوف الإقبال على شراء الشقق التي شيدتها بفعل تهاوي القدرة الشرائية لدى الجزائريين جراء انهيار قيمة الدينار وارتفاع نسبة التضخم.
ويكشف عمر بن فناي، إطار سابق في وزارة الأشغال العامة وصاحب مؤسسة ناشطة في نفس المجال، أن "دخول قطاع الأشغال العامة أو ما يُعرف في الجزائر بـ" الأشغال العمومية" في حالة جمود كان منتظراً، خاصة بعد تجميد الحكومة الجزائرية لكل المشاريع التي لم تنطلق بعد".
وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن شركته "لم تظفر بأي مشروع منذ شهور، فالمحافظة التي أنشط فيها (تيزي وزو) جمدت مشروعين لبناء 3 تجمعات سكانية وجمدت بناء مستشفى كبير، وهي مشاريع كنا نراهن عليها من أجل إنقاذ الشركة من الإفلاس الحتمي الذي يقف في وجهنا".
ويتوقع المدير الفرعي في الشركة الجزائرية المسيرة لمساهمات الدولة في قطاع الأشغال العامة في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "غالبية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الناشطة في قطاع الأشغال العامة والبالغ عددها 30 ألف شركة، ستنهار في الشهور القادمة إذا تواصلت سياسة تجميد المشاريع من طرف الحكومة الجزائرية، لأنها غير مؤهلة للصمود في وجه الصدمات المالية".
ويتوقع المراقبون أن تنفذ الحكومة المرحلة الثانية من سياسة التقشف، والتي يتم من خلالها تجميد المشاريع الكبرى منها مشروع إقامة خطوط "ترامواي" بعدة محافظات داخلية، وبناء جامعات جديدة.