خبراء يرفضون مقترحات صندوق النقد للجزائر

خبراء يرفضون مقترحات صندوق النقد للجزائر

19 مارس 2016
احتياطي النقد الأجنبي انخفض إلى 143 مليار دولار(العربي الجديد)
+ الخط -

 

حذر خبراء جزائريون حكومة بلادهم من الموافقة على المقترحات التي قدمها خبراء صندوق النقد الدولي، خلال الأسبوع الماضي، لتحسين الاقتصاد.

 

وترتكز المقترحات بشكل أساسي، على تحسين الاقتصاد، وفتح باب التجارة والاستثمار، وتسهيل الائتمان (القروض)، على اعتبار أن لها امتيازات أكبر لمواجهة صدمة النفط، بترشيد للنفقات العمومية، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن إيرادات النفط.

 

وكانت بعثة من صندوق النقد الدولي زارت الجزائر خلال الأيام الماضية، وطالبت السلطات بضرورة تكثيف جهود تنفيذ إصلاحات هيكلية لمواجهة صدمة انهيار أسعار النفط، وتنويع مصادر الدخل الحكومي.

 

ويشكل دخل الطاقة 95% من صادرات الجزائر، و60% من الموازنة، لكنه تراجع بفعل انهيار الأسعار في السوق النفطية لـ41%، حيث وصل إلى 35.72 مليار دولار العام الماضي، ويتوقع المسؤولون انخفاضه إلى 26.4 مليار دولار هذا العام.

 

كما تراجع احتياطي النقد الأجنبي الجزائري من 194 مليار دولار في نهاية 2013، إلى 143 مليار دولار، نهاية 2015، بحسب صندوق النقد.

 

وقدمت الحكومة الجزائرية إشارات قوية إلى إمكانية الأخذ بالمقترحات التي رفعها إليها صندوق النقد الدولي، في حوار أجرته الإذاعة الرسمية مع وزير المالية، عبد الرحمن بن خالفة، الثلاثاء الماضي.

 

وقال الوزير إن "السلطات العمومية تعمل على إيجاد بدائل مالية لتمويل المشاريع، لا سيما من خلال تحسين الجباية (زيادة الضرائب)، واللجوء إلى الاستدانة الداخلية (إصدار سندات)، وحتى الاستدانة الخارجية".

 

مقترحات غير واقعية

الخبير المالي وأستاذ الاقتصاد في جامعة "البليدة" بالجزائر، فارس مسدور، انتقد المقترحات المقدمة من الصندوق، وقال لوكالة الأناضول إنها "ليست واقعية".

 

وذكّر مسدور "بالإجراءات التي طبّقها (صندوق النقد الدولي) على الجزائر عام 1995، والمتضمنة إغلاق المؤسسات العمومية، وتسريح آلاف العمال، وتقليص النفقات العمومية، وتخفيض قيمة العملة المحلية، الدينار، كوصفة لمواجهة أزمة انهيار أسعار النفط آنذاك، وكانت نتائجها كارثية".

 

وأضاف متسائلاً: "كيف يٌقترح على دولة تملك 143 مليار دولار احتياطي صرف، البحث عن الاستدانة الخارجية؟.. هذا المقترح خاطئ بالمطلق".

 

وفي منظور فارس مسدور، فإن "بلوغ سعر برميل النفط 50 دولارا، مناسب للجزائر، ويمكّن هذا السعر الحكومة من سد حاجياتها كلياً، وضمان المحافظة على احتياطات الصرف، البالغة 143 مليار دولار، بحسب البنك المركزي الجزائري".

 

وتشير المذكرة التي سلّمها صندوق النقد الى الجزائر، بتاريخ 14 مارس/ آذار 2015، إلى "القيام بمجموعة واسعة من الإصلاحات الهيكلية، للمساعدة في دعم النشاط الاقتصادي، أثناء عملية الضبط المالي وتنويع الاقتصاد، لتحقيق نمو أعلى وأكثر احتواء لكل شرائح السكان على المدى المتوسط".

 

وأضافت: "ومن أهم الإصلاحات في هذا الصدد، تحسين مناخ الأعمال، وفتح الاقتصاد أمام مزيد من التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي، وتحسين فرص الحصول على الائتمان، وتطوير الأسواق الرأسمالية، ورفع مستوى الحوكمة والمنافسة والشفافية".

بدائل وحلول

وبشأن البدائل المتاحة للسلطات العمومية، في ظل تدهور أسعار النفط، يقول الخبير "هناك تقارير أعدت من طرف خبراء جزائريين ورفعت إلى الحكومة، تؤكد وجود 32 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في الجزائر، وخاصة في المنيعة (تقع في محافظة غرداية 600 كلم جنوب العاصمة الجزائر)، بإمكانها في حال استغلالها المثالي في الزراعة، أن تدر علينا 100 مليار دولار سنوياً، وهذا مهم في تقليص الاعتماد على مداخيل النفط".

 

أما الخبير الجزائري في المؤسسات المالية الدولية، محمد حميدوش، فوصف مقترحات صندوق النقد بغير المقبولة.

 

وقال: "المشكلة في الجزائر، تتعلق بضعف التجارة الخارجية، التي سجلت عجزاً في الصادرات بـ9 مليارات دولار السنة الماضية، والمتفق عليه أن معالجة العجز تكون باتخاذ خطوات مرنة، ترفع من الصادرات وتخفض من الواردات، لكن في الحالة الجزائرية، فأن يتم خفض قيمة الدينار، واستمرار المساعدات الاجتماعية".

 

التشخيص الثاني الذي قدمه حميدوش، والذي تتبناه السلطات الحكومية، ويعتبره خاطئاً، هو "اعتمادها المفرط على المساعدات الاجتماعية ودعم السلع والمقدّرة بـ30% من الدخل (18 مليار دولار)، وعدم الاعتماد على الأسعار الحقيقية للسلع".

 

وتابع: "هذا الأمر الذي سيحدث عجزاً في الموازنة العامة، تتم معالجته عبر صندوق ضبط الإيرادات (صندوق يدخر فيه الفارق بين مداخيل النفط والسعر المعتمد في الموازنة العامة) دون معرفة القيمة الحقيقية لإيراداته".

 

وأجبر تراجع سعر النفط السلطات الجزائرية على تقليص ميزانيتها وتعديل الدعم الحكومي، وتعليق مشاريع للبنية التحتية، واللجوء إلى الصين للحصول على التمويل.

 

وعن الحلول التي يراها مناسبة لمواجهة الاختلالات الحاصلة، يرى حميدوش أن الحكومة أمامها ثلاثة خيارات هي: تخفيض الإنفاق الحكومي، أو زيادة الضرائب، أو التوازن بينهما، لكنه ينبّه إلى أنه في كل الحالات ومع استمرار عدم الترشيد في الإنفاق، "سيبقى العجز مستمراً، وستضطر الحكومة الى المديونية الخارجية".

 

وبخصوص سعر برميل النفط المناسب للحكومة الجزائرية، يقدم حميدوش سعرين، "إذا واصلت الحكومة الاعتماد على آليات التسيير نفسها، فإن تسويق النفط بـ72 دولاراً مناسب، أما إذا اعتمدت على زيادة الضرائب في فإن سعر 30 دولاراً مناسب".

 

وأشار إلى أن المشكلة في البلاد تتمثل في طريقة الإنفاق المعتمدة على قانون صادر عام 1984، وكانت الدولة آنذاك تسير على النهج الاشتراكي، والواجب عليها التخلي عنه، واعتماد الإنفاق الحكومي على الموازنة العامة فقط.

 

من جانبه، يرى عبد الوهاب بوكروح، الصحافي الجزائري المتخصص في الشأن الاقتصادي، أن صندوق النقد الدولي يقدم مثل هذه النصائح والاقتراحات عادة لدول تعيش "أزمة لتجنيبها الانهيار".

 

وأوضح أنه "بالنسبة للجزائر، طبيعي أن تقدم هذه الوصفة بضرورة خفض الإنفاق، وتنويع الدخل، وحتى تقليص حجم التحويلات الاجتماعية الموجهة لذوي الدخل المحدود، لأن السلطات الجزائرية غفلت طيلة 15 سنة ماضية عن بناء اقتصاد متنوع، في ظل وفرة الأموال المحصّلة من عائدات النفط الضخمة، عندما كانت أسعاره مرتفعة".

 ومضى قائلاً: "بالنسبة لمسألة الاستدانة، فالجزائر ليست في وضعية حرجة للبحث عن دين خارجي، لأن لديها احتياطات صرف حالياً.. كما أن هذه الديون يجب أن توجه لتمويل مشاريع استثمارية ضخمة في البنى التحتية، بسبب عجز الموازنة وليس لبرامج خدماتية غير منتجة".

المساهمون