تونس ترفع شعار "الأمن قبل الاقتصاد"

تونس ترفع شعار "الأمن قبل الاقتصاد"

28 يوليو 2015
السلطات التونسية تقيم جدار فاصل على حدودها مع ليبيا(أرشيف/Getty)
+ الخط -

أعلنت الحكومة التونسية، أمس الإثنين، عن مشروع قانون تكميلي للميزانية العامة للبلاد، للعام الجاري، يقضي بتخصيص اعتمادات مالية إضافية لقطاعات الدفاع والداخلية والجمارك، بقيمة 306 ملايين دينار تونسي (156 مليون دولار).

وأفادت وثيقة نقلتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية، أن "هذه الاعتمادات الإضافية تهدف إلى مزيد من دعم قدرات وجاهزية قوات الجيش والأمن الوطنيين والديوانة (الجمارك) في حربها ضد الإرهاب، من خلال تدعيم الترتيبات الدفاعية والقيام ببناء وتهيئة عدد من المقرات الأمنية والمعابر الحدودية، وبرنامج لاقتناء تجهيزات متطورة".

وترفع حكومة الحبيب الصيد شعار "الأمن قبل الاقتصاد" بعد ارتفاع منسوب خطر العمليات الإرهابية التي أوقعت 61 ضحية في عمليتي باردو وسوسة اللتين استهدفتا القطاع السياحي أحد أعمدة الاقتصاد التونسي.

ورغم أن إقرار الحكومة جملة من التدابير والإجراءات لرفع الإنفاق الأمني في ميزانية الدولة في ديسمبر/كانون الثاني 2014، إلا أن الأحداث الأخيرة جعلت الحكومة تراجع سياساتها المالية من أجل توفير إمكانيات أكثر لدعم المجهود الأمني في المسالك السياحية والمعابر الحدودية التي يتسرب منها خطر الإرهاب.

ويأتي تشييد العازل الترابي على الحدود مع ليبيا ضمن جهود السلطات التونسية الرامية إلى التصدي لتسلل الإرهابيين والجهاديين الإسلاميين من ليبيا بعد حصولهم على التدريب والسلاح هناك.

ويمثل الجدار الترابي جزءا من الاستراتيجية الاحترازية ضد الإرهاب التي انتهجتها الحكومة بعد هجمات متحف "باردو" الوطني في شهر مارس/آذار الماضي والذي أودى بحياة 21 سائحاً.

وكانت ميزانيتا المؤسستين الأمنية والعسكرية شهدتا ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت ميزانية وزارة الداخلية من 1.725 مليار دينار (922 مليون دولار) عام 2012، إلى 2.615 مليار دينار (1376 مليون دولار) السنة الحالية. كما ارتفعت ميزانية وزارة الدفاع من 1.14 مليار دينار، إلى 1.792 مليار دينار (943 مليون دولار) العام الحالي.

ويقول عضو البرلمان المكلف بلجنة حمل السلاح، جلال غديرة، إن خيار زيادة النفقات الأمنية على حساب الاستثمار والتشغيل، رغم صعوبة الوضع الاقتصادي، معتمد في كل الدول المهددة بالإرهاب.

ويشير غديرة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن الحديث عن استثمار أو تشغيل أو تطور اقتصادي في غياب العوامل الأساسية للاستثمار، وعلى رأسها الأمن.

واعتبر غديرة أن العمليات الإرهابية التي ضربت السياحة ليست اعتباطية، لافتا إلى أن الإرهابيين يريدون التمكن عبر إرهاق الدولة اقتصاديا ودفعها إلى الإفلاس والفوضى، وهو ما استوجب اتخاذ قرارات جريئة للتضييق على المنابع التي يتغذى منها الإرهابيون، بما في ذلك الجدار العازل بين تونس وليبيا.

وتشير التقديرات إلى أن كلفة الجدار الذي تتقدم الحكومة في إنجازه قد تصل إلى 150 مليون دينار تونسي (75 مليون دولار).

ويرى الخبير الاقتصادي مراد الحطاب، أن كلفة الجدار ضئيلة جدا أمام الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد التونسي بسبب تدهور الوضع الأمني.

ويتوقع الحطاب، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن يعود الجدار بالفائدة على الاقتصاد المحلي على المدى المتوسط، مشيرا إلى أنه سيحد من مخاطر التهريب بنسبة 80%.

اقرأ أيضاً: توقعات بتراجع نمو الاقتصاد التونسي إلى 1%

ويضيف الخبير الاقتصادي أن الجدار الحدودي سيكون مرفقا بتطوير البنية التحتية في المعابر الحدودية بما يسمح بانسياب السلع بطريقة منظمة، وهو ما سيوفر للدولة عائدات مهمة من الرسوم الجمركية التي كانت تتمتع بها شبكات التهريب.

ويتوقع الحطاب، أن تشهد المبادلات التجارية بين تونس وجارتها الجنوبية ليبيا ارتفاعا ملحوظا بعد استكمال الجدار، لافتا إلى أن هذه الإجراءات ستمنح المستثمرين المتوجسين من الخطر الأمني حاليا ضمانات لتطوير التجارة البينية بين البلدين.

ويقدر حجم التراجع المسجّل في التبادل التجاري بين البلدين بحدود 150 مليون دولار شهرياً، حسب أرقام الغرفة التجارية التونسية الليبية.

وتعوّل تونس على المساعدات الأجنبية لتعزيز قدراتها الأمنية، حيث أعرب الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع على نيتها مساعدة تونس في التصدي لخطر الإرهاب بمنحها مساعدات أمنية.
 
وقال وزير التنمية والاستثمار التونسي، ياسين إبراهيم، في تصريحات صحافية، إن تونس تنسّق مع "مجموعه السبع" (التي تضم فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية وكندا) للتسريع في تنفيذ مشروع الجدار العازل بين تونس وليبيا.

وأضاف إبراهيم، أن مهمة الساتر الترابي منع تسلل العربات والأفراد والمعدات والأجهزة التي لا تستطيع قوات الجيش والجمارك والحرس مراقبتها ورصدها.

وحول التأثير الاجتماعي على العائلات التي تعيش من التجارة الموازية بين البلدين على الحدود، قال الناشط الاجتماعي معز الجماعي، إن 3000 عائلة في الجنوب الشرقي التونسي تعيش من التجارة الموازية، التي من المتوقع أن يحد من نشاطها العازل الترابي.

وأضاف الجماعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مصالح الجمارك في المعابر الحدودية تدرك جيدا طبيعة الوضع الاجتماعي في محافظات الجنوب، متوقعا أن تبدي الحكومة نوعا من المرونة في تدفق السلع ذات الطابع الاستهلاكي والتي لا تمثل أي خطر.

وتشترك تونس وليبيا بخط حدودي على طول نحو 500 كلم، ويربطهما منفذان بريان فقط.

وكانت تونس ما قبل ثورة يناير 2011 توجه أغلب الاعتمادات في ميزانية الدولة إلى الوزارات الاجتماعية، على غرار التربية والصحة والتشغيل، على حساب الدفاع والداخلية.
 
ويبقى الإنفاق العسكري والأمني في تونس الأقل في المنطقة المغاربية، وهو ما فسّر تكرار استهداف المؤسستين العسكرية والأمنية اللتين خسرتا العديد من أبنائهما نتيجة نقص العتاد والإمكانيات.


اقرأ أيضاً:
تونس تتجّه نحو تحويلات المغتربين لإنعاش اقتصادها
الإرهاب يستنزف الاقتصاد التونسي
قانون جديد في تونس لجرائم غسيل الأموال

المساهمون