واشنطن قلقة من فرض"السقف السعري" على النفط الروسي .. وأوبك قد تعرقله

واشنطن قلقة من فرض"السقف السعري" على النفط الروسي .. وأوبك قد تعرقله

05 اغسطس 2022
بوتين يستخدم سلاح الطاقة بذكاء ضد القوى الغربية (getty)
+ الخط -

يُجري مسؤولون من الإدارة الأميركية مشاورات واسعة مع قيادات بنوك وخبراء طاقة وتمويل وتأمين، لدراسة إمكانية تنفيذ مقترح "السقف السعري" للخامات الروسية، الذي تمت الموافقة المبدئية عليه في اجتماع قمة السبع التي عقدت في ألمانيا في يونيو/حزيران الماضي.

كما تبذل إدارة الرئيس جو بايدن كذلك جهوداً لتنفيذ فكرة "السقف السعري" عبر لقاءات دبلوماسية مع الصين ودول الاتحاد الأوروبي والهند، ضمن محاولاتها لتشكيل قناعة بنجاح الفكرة. وقال وزراء خارجية دول مجموعة السبع، يوم الثلاثاء، إن المجموعة تدرس جميع الخيارات الممكنة لمنع روسيا من الاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة، بما يشمل منع نقل النفط الروسي ما لم يتم شراؤه بسعر محدد أو أقل من ذلك.
وتبدو إدارة بايدن قلقة من تداعيات مقترح "السقف السعري" على سوق المحروقات في أميركا وأوروبا، لأنه ربما يرفع أسعار النفط إلى مستويات أعلى من مستوياتها الحالية التي تراوح قليلاً فوق مائة دولار لخام برنت.
ويرى محللون ماليون أن "مشروع السقف السعري" ربما يرفع أسعار المحروقات ويهدد نجاح خطة مكافحة التضخم المرتفع الجارية حالياً، عبر رفع الفائدة المصرفية على الدولار. ويواجه الحزب الديمقراطي الحاكم معركة قاسية في انتخابات نصف الدورة الرئاسية التي ستجري في نوفمبر/تشرين وتحدد مصير الأغلبية التي يملكها حالياً في مجلسي الشيوخ والنواب.
وحسب معهد بروغيل للدراسات الاستراتيجية في بروكسل، يستهدف مقترح "السقف السعري" للنفط الروسي تحديد سعر محدد للخامات الروسية في الأسواق، عبر آلية حظر التأمين على الشحن والناقلات النفطية التي تحمل الخامات الروسية وحظر التمويل المصرفي. وتستهدف الولايات المتحدة والدول الغربية من المشروع تحقيق هدفين من تحديد "السقف السعري".

الأول هو خفض الأرباح التي تحصل عليها موسكو من مبيعات النفط، والتي دعمت مجهودها الحربي في غزو أوكرانيا ومكّنتها من مقاومة العقوبات الغربية.

والثاني فتح "نافذة محكومة الدخل" تسمح بتمرير الخامات الروسية إلى الأسواق العالمية وتلافي مخاطر الحظر الأوروبي الكامل للنفط الروسي ومشتقاته التي سبق أن أقرتها الكتلة الأوروبية، وربما تكون لها تداعيات خطيرة على ارتفاع أسعار الخامات النفطية العالمية وتقود إلى "ركود تضخمي" في الاقتصادات الرأسمالية الكبرى.

ورغم أن السعر المقترح للخامات الروسية، وتحديداً خام الأورال الذي تقاس على أساسه أسعار النفط الروسي لم يحدد بعد، إلا أن معهد بروغيل للدراسات الاستراتيجية في بروكسل يرى أن "السقف السعري" يجب أن يحدد بسعر يفوق كلفة الإنتاج الحالية، وفي حدود سعر خام الأورال قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتحدد دراسة بمعهد بروغيل "السقف السعري" الذي يجب أن يكون عليه للنفط الروسي بسعر يتراوح بين 40 و50 دولاراً.
من جانبه، يرى خبير الطاقة في مجموعة "سيتي غروب"، إدوارد مورس، أن هناك عقبات تعترض مشروع "السقف السعري". ويقول في هذا الصدد، "لا أعرف أي شخص يعمل في سوق الطاقة يعتقد أن فكرة السقف السعري ستكون ناجحة". وأضاف الخبير مورس "أعتقد أن الفكرة ستكون لها تداعيات خطرة على السوق النفطية".
من جانبه، قال نائب وزير الخزانة الأميركية، في تعليقات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، "الهدف الذي نريد تحقيقه ليس تطبيق السقف السعري على كل نقطة نفط تصدّرها روسيا، ولكن خفض دخل روسيا من النفط".
وفي شأن ذات العقبات التي تعترض خطة السقف السعري، قالت دراسة أجراها ثلاثة باحثين كبار في شؤون الطاقة والاقتصاد بمعهد بروغيل، وهم كل من كلاس لينترز وتاغليابتيرا وجورج زاكمان، إن هناك أربع عقبات تواجه تنفيذ "السقف السعري" للخامات الروسية، وهذه العقبات هي، أن الحظر الحالي على تأمين شحنات النفط الروسية ربما لا يكون ذا جدوى، لأن دولة مثل الصين ستمنح تغطية تأمينية للشحنات النفطية الروسية. كما أن الهند أنشأت شركات في "مراكز أوفشور" لتأمين شحنات النفط الروسي وتأمين الناقلات التي تحمل إليها البترول الروسي الرخيص. وتشير الدراسة إلى أن بعض الدول ربما تسمح بمرور الشحنات الروسية عبر ممراتها ومضائقها المالية وتغامر بالعقوبات الغربية في سبيل الحصول على النفط الرخيص، وبالتالي تقترح الدراسة دعم الحظر على تأمين شحنات النفط الروسي بعقوبات أميركية ثانوية. ولكن يبدو أن إدارة الرئيس بايدن غير متشجعة لإحداث مثل هذا الحظر الثانوي.
ثانياً: تقول الدراسة، حتى في حال تطبيق مقترح "السقف السعري" على النفط الروسي بدرجة مثالية، فإن الدول التي تستفيد من استيراد الخامات الروسية الرخيصة ربما تلتف على العقوبات الغربية. ومثالاً على ذلك، فإن دولة مثل الهند تشتري الأسلحة من روسيا، ربما تدفع أسعارا أعلى للأسلحة الروسية لتعويض موسكو عن خسارتها من "السقف السعري"، وفي هذه الحالة سيكون من الصعب على الدول الغربية، من الناحية القانونية، تحديد ما إذا كان جزء من هذه الدفعيات للسلاح أم للنفط، وعما إذا كانت الدفعيات المالية تخرق عقوبات "السقف السعري" أم لا.
ثالثاً: تقول الدراسة، هناك قلق غربي بشأن ردة فعل الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" على مشروع "السقف السعري"، وبالتالي ربما تعمل "أوبك" على عرقلته وضمان عدم نجاحه، لأنها تتخوف في حال نجاحه من تطبيقه مستقبلاً عليها من قبل الدول المستهلكة الكبرى. ويتوقع معهد بروغيل أن "أوبك" ربما تعمل على إعاقة تنفيذ "السقف السعري" عبر دعم صادرات النفط الروسي أو خفض إمداداتها للأسواق النفطية.
رابعاً: تشير الدراسة إلى أن هناك أخطارا في أن تقدم روسيا على خفض إنتاج النفط أو وقف الإنتاج كلياً لفترة محدودة، وتستخدم احتياطاتها المالية في المقابل لتلبية الإنفاق، في سبيل خلق أزمة إمدادات في السوق البترولية الغربية. وفي حال حدوث مثل هذا الاحتمال، فإن أسعار الخامات النفطية ربما تحلّق قرب 200 دولار للبرميل، وتحدث أزمة مالية واقتصادية عالمية.

في شأن احتمال وقف روسيا للإنتاج، قال الاقتصادي السابق في المصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير، سيرغي غورييف، في مذكرة "بالتأكيد سيرفض بوتين بيع الخامات الروسية بسعر محدد". وأضاف "على الرغم من أن الشركات الروسية تبيع نفطها بحسومات كبيرة لكل من الصين والهند، ولكنها لا تزال تحقق أرباحاً من هذه المبيعات، وأنها تحقق أسعاراً أعلى من أرقام كلف الإنتاج".
ويرى محللون غربيون ضرورة عدم تأخير العقوبات على النفط الروسي، لأنه سيعني أن موسكو ستتمكن من مراكمة تمويلات جديدة من مبيعات النفط، وبالتالي يجب تسريع الخطة.

وتشير تقديرات غربية إلى أنه حتى إذا بقيت الأسعار عند 90 دولارا للبرميل في المتوسط هذا العام فستحصل الميزانية الروسية على 65 مليار دولار إيرادات إضافية، وإذا بلغ  السعر المتوسط للبرميل 100 دولار ستكسب الميزانية مبالغ تتراوح بين 73 و80 مليار دولار إضافية. ولكن في أعقاب إعلان الحظر الأوروبي على الطاقة الروسية، ارتفعت الأسعار إلى نحو 120 دولاراً لخام برنت.
وتراهن الدول الغربية على نجاح تنفيذ الشركات الروسية لمشروع "السقف السعري" على أن روسيا لن تتوقف عن ضخ النفط للأسواق الدولية، لأن إغلاق حقول النفط الروسية سيكون مكلفاً لها وسيضطرها لمواصلة لانتاج والتصدير.  وإغلاق الحقول يهددعادة  بحدوث أعطاب في بعض الحقول النفطية، خاصة الحقول التي تقع في منطقة سيبيريا.

وفي ذات الشأن، لاحظ خبراء أن روسيا ليست لديها خزانات أرضية كبيرة، مثلما هو الحال بالنسبة للصين أو الولايات المتحدة، وبالتالي ستضطر إلى مواصلة الإنتاج وضخ النفط.
من جانبها، تؤيد خبيرة الطاقة بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، ماريا شاغينا، مشروع السقف السعري على النفط الروسي. وتقول "إن الدول التي ستغامر بشراء النفط الروسي مقابل تعرّضها للعقوبات لن تكون كثيرة".

المساهمون