كيف سقطت إنسانية العرب في حرب غزة؟

كيف سقطت إنسانية العرب في حرب غزة؟

04 مارس 2024
سكان غزة يتعرضون لحصار قاتل وحرب إبادة (فرانس برس)
+ الخط -

وضعت الحرب على غزة الجميع في اختبار حقيقي أمام المبادئ الإنسانية، والتي للأسف سقط فيها الجميع، باستثناء بعض التصرفات الفردية. إلا أن موقف العرب والمسلمين، بعد قرابة 5 أشهر من بدء حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني في غزة، هو الأسوأ بين جميع المكونات الإقليمية والدولية.

لقد اطمأن الكيان الصهيوني لعدم تحرك الدول العربية والإسلامية، تجاه ما يقوم به من تدمير للبشر والحجر في غزة، ولم تُظهر تلك الدول أي ممارسات، من شأنها إيقاف الحرب، أو تمثل ورقة ضغط على الكيان الصهيوني، اللهم إلا تحرك جماعة الحوثيين في مضيق باب المندب بالبحر الأحمر، والتي أثرت بشكل ملحوظ على الموانئ في الكيان الصهيوني، وكذلك تسببت في إلحاق أضرار للتجارة الخاصة بالدول الداعمة للكيان الصهيوني. وكذا تحركات من قبل حزب الله اللبناني والمقاومة الإسلامية في العراق.

وفي إطلالة سريعة للعون الإنمائي العربي لعام 2022، يرشدنا التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2023، إلى أن إجمالي المعونات والمساعدات الإنمائية العربية للعالم بلغت 15.8 مليار دولار، كان نصيب الدول العربية منها 6.4 مليارات دولار، وبما يمثل نسبة 40.4%.

وكان لمصر نصيب الأسد من المعونات الإنمائية العربية لعام 2022، حيث حصلت على 3.7 مليارات دولار، وبما يمثل نسبة 57.5% من إجمالي حصة الدول العربية.

ومع التطورات الجارية ستضع غزة وما آلت إليه من تدمير لكامل بنيتها الأساسية، فضلًا عن هدم البيوت ومآسي الأيتام والمصابين، الدول العربية في اختبار جديد لتوجيه برامج العون الإنمائية، ليحل القطاع في المرتبة الأولى، من حيث استحقاقه لتلك المعونات.

لكن هل سيخذل العرب غزة في إعادة الإعمار وتقديم المعونات اللازمة، خاصة وأن لدى الدول العربية سجلا مخزيا في إعادة الإعمار بغزة، من خلال رهن المساعدات بأمور سياسية فلسطينية داخلية، مما جعل القطاع يعاني طوال السنوات الـ17 الماضية، وكانت النتيجة المزيد من الفقر والبطالة هناك.

نجدة العرب للكيان الصهيوني

لم تتخل الحكومات العربية عن مساندة إسرائيل اقتصاديا منذ اللحظة الأولى لمعركة طوفان الأقصى، وذلك من خلال عدة أمور، أولها أن الجميع كان ينتظر قيام الدول العربية المصدّرة للنفط، بتفعيل ورقة النفط في الضغط على الكيان الصهيوني وداعميه، حيث تنتج الدول العربية نحو 29.3% من الإنتاج العالمي من النفط، وتغطي نسبة 33.1% من الصادرات النفطية العالمية، وفق أرقام عام 2022، التي تضمّنها التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2023.

اطمأنت إسرائيل ومعها باقي دول العالم على الإمدادات النفطية، والأدهى من ذلك أن مصر استمرت في تعاقدها على استيراد الغاز الإسرائيلي المسروق من الأراضي الفلسطينية، ولذلك لم تشهد الأسواق الدولية للنفط أي تأثير كبير يهز مصالح القوى الكبرى، كما حدث في حرب روسيا على أوكرانيا، حيث كانت ممارسات روسيا في مجال النفط بالسوق الدولية، أحد أهم أسباب ارتفاع معدلات التضخم في العالم طوال عامي 2022 و2023.

أما المرة الثانية التي دعم فيها العرب الكيان الصهيوني خلال الحرب الحالية، فكانت لمواجهة تداعيات هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، حيث هبّت الإمارات بالتنسيق مع مصر والسعودية والأردن، لإقامة جسر بري، يؤمّن لإسرائيل تجارتها الخارجية، ويخفف من الأضرار الاقتصادية التي أتت عبر استهداف تجارة إسرائيل في البحر الأحمر.

ولم تمتنع الدول العربية المصدرة للسلع الغذائية لإسرائيل عن الاستمرار في هذه العلاقة، على الرغم من الجرائم البشعة التي قامت بها إسرائيل في غزة، سواء كانت هذه الممارسات من قبل مصر أو الأردن أو الإمارات. وقدمت مصر أكبر صور الدعم لإسرائيل من خلال رهن مرور المساعدات الغذائية والطبية لشعب غزة، بموافقة حكومة الكيان الصهيوني.

طائرات الإنزال العربية في غزة

خلال الأيام القليلة الماضية، قامت كل من مصر والإمارات والأردن، بحملة بالطائرات لإنزال المساعدات الغذائية في غزة، التي ساهمت فيها بالإضافة لهذه الدول، كل من البحرين وسلطنة عمان، بتقديم المواد الإغاثية من الغذاء.

إلا أنه أثناء عمليات إنزال المواد الغذائية لشعب غزة، ارتكبت إسرائيل مجزرة بحق الساعين للحصول على هذه المساعدات، فقتلت منهم أكثر من 100 شهيد، وهو ما مثل إهانة كبيرة لتلك الدول العربية التي نفّذت هذه العملية، فضلًا عن تجرد الكيان الصهيوني من أدنى معاني الكرامة أو الشرف.

والغريب أن تصرف الكيان الصهيوني لم يستفز الدول العربية التي قامت بعمليات إنزال المساعدات، حيث تمت عمليات الإنزال بالترتيب مع حكومة الاحتلال. والمفترض أن هذه الدول العربية، من مسؤوليتها اشتراط عدم المساس بالمتضررين من الحرب في غزة، أثناء حصولهم على المساعدات.

ولم يدفع تصرف إسرائيل الممقوت، الدول العربية لأي ردة فعل، ولو على صعيد تعطيل التطبيع، أو قطع العلاقات الاقتصادية، أو حتى التلويح بذلك، بل مر الموقف، وتجرعت الدول العربية المهانة دون أدنى خجل.

بل إن المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش، قال في يناير 2024، إن بلاده اتخذت قرارا استراتيجيا فيما يخص علاقة بلاده بالكيان الصهيوني، وأن سمة القرارات الاستراتيجية أنها طويلة المدى.

وكان وزير إماراتي آخر صرح بأنهم لا يخلطون بين الاقتصاد والتجارة والسياسة، في معرض رده على تأثير الحرب على غزة على علاقة أبوظبي بإسرائيل.

وللتذكير هنا، فإن عمليات التضييق لوصول المساعدات الغذائية والطبية لشعب غزة مستمرة منذ بدء العدوان في أكتوبر 2023، وحتى خلال الهدنة التي استمرت بعض الأيام، لم تتمكن الدول المختلفة التي حشدت مساعداتها بمدينة العريش المصرية، من إدخال هذه المساعدات، بسبب التعنت المصري الإسرائيلي، وتصريح المسؤولين المصريين بأنهم لا يمكنهم مخالفة الشرط الإسرائيلي بالسماح بما تراه من مساعدات بعد تفتيشها.

مساعدات عربية لا تنقطع

في إطار نموذج شديد الشبه بما يتم في غزة، وهو النموذج الأوكراني، وجدنا التصرف العربي في مجال المساعدات المقدمة لأوكرانيا شديد السخاء، على الرغم من أن المساعدات يتم إنزالها في بولندا، بما يعني أن مصر هي شبيه بولندا، ولكن المساعدات لأوكرانيا لا تعرف هذا التكدس، ولا انتهاء صلاحية المواد الغذائية، كما يحدث في رفح للمساعدات التي توجه إلى غزة.

ونقلت وسائل الإعلام مؤخرًا، وصول الطائرة التاسعة المحملة بالمساعدات السعودية لأوكرانيا، إلى بولندا، والتي تحمل مساعدات بنحو 80 طنًا، وتشمل حمولة الطائرة مولدات وأجهزة كهربائية.

وفي أغسطس 2023، قدمت الإمارات ضمن برامج مساعداتها لأوكرانيا، 250 طنا من المواد الإغاثية، تتضمن مستلزمات شخصية ومصابيح إضاءة وبطانيات. ولم يقتصر الأمر على السعودية والإمارات في تقديم المساعدات لأوكرانيا، بل شمل بلدانا عربية أخرى.

والملفت للنظر هنا، حالة المقارنة بين الواقع في كل من غزة وأوكرانيا، أنه في حالة أوكرانيا، تصل المساعدات بجميع صورها إلى بولندا، ومنها إلى أوكرانيا، ويضمن العالم وصول هذه المساعدات للمتضررين من الحرب في أوكرانيا.

بينما في غزة، لدينا حالة عجز عربي، وخزي دولي، بسبب الدعم الذي تقدمه أميركا وبعض الدول الغربية لإسرائيل.

كما أن المساعدات في أوكرانيا ومن بينها العربية تتضمن مولدات وأجهزة كهربائية، في حين مُنعت مستشفيات غزة ومحطات المياه والصرف الصحي من الحصول على الوقود، مما أدى إلى إزهاق العديد من أرواح المصابين والمرضى، والأطفال الخدج، وانتشار الأمراض بسبب توقف خدمات الصرف الصحي، وعدم توفر الماء الصالح للشرب.

المساهمون