"طوفان الأقصى" تصيب تجار النفط بالتوتر... إقبال على الشراء بعد التخلص من البراميل

12 أكتوبر 2023
المحللون يستبعدون استخدام منتجي النفط الصادرات كسلاح لدعم الفلسطينيين (فرانس برس)
+ الخط -

أربكت هجمات "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مواقع عسكرية ومستوطنات إسرائيلية، حسابات تجار النفط في العالم، وزادت حالة الترقب لديهم وسط الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة التي لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لها.

وبينما كانت صناديق التحوط تبيع الأسهم الأميركية المرتبطة بالسلع الأساسية بوتيرة أسرع من المعتاد قبل اندلاع "طوفان الأقصى"، بمجرد انتشار الأخبار، تغيرت المواقف، حيث قفز سعر خام برنت القياسي العالمي بنسبة 4% مرتفعا بما يزيد عن 3 دولارات دفعة واحدة إلى نحو 89 دولاراً للبرميل، يوم الاثنين، الماضي في أولى جلسات التداول هذا الأسبوع، قبل أن يتراجع قليلاً إلى 87.56 دولارا، يوم الثلاثاء، ويستقر في تعاملات أمس، فيما لا تزال هذه الأسعار أقل بكثير من مستوى 100 دولار للبرميل الذي تم التوصل إليه في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي.

وقال دان بيكرينغ، رئيس شركة "بيكرينغ إنيرجي بارتنرز" الاستشارية ومقرها هيوستن في الولايات المتحدة: "أنظر إلى الأمر وأقول: السوق متوترة، لكنها ليست مرعوبة". وفي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، فرضت السعودية أكبر منتجي النفط في المنطقة حظراً على تصدير الخام إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى مضاعفة أسعار النفط الخام أربع مرات وإعادة تشكيل أسواق الطاقة إلى الأبد.

وبعد مرور خمسين عاماً، دخلت إسرائيل في حالة حرب مرة أخرى في أعقاب الهجوم المباغت غير مسبوق الذي شنته المقاومة الفلسطينية، لكن تأثيره على سوق النفط ما يزال محدوداً، وفق بيكرينغ، الذي قال لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية: "في الوقت الحالي يُنظر إليها (تداعيات الحرب الدائرة بين المقاومة والاحتلال) على أنها أزمة يمكن التحكم فيها، وليست أزمة من نوع أزمات السبعينيات".

وقال هينينغ غلوستين، مدير الطاقة والمناخ والموارد في مجموعة أوراسيا الاستشارية، إن القفزة في الأسعار التي حدثت، يوم الاثنين الماضي، تعكس إعادة تقييم السوق للمخاطر في المنطقة بدلاً من المخاوف بشأن العرض.

هذه المرة، لا تهاجم الدول العربية إسرائيل معاً ولا يتوقع التجار أن تقوم السعودية أو المنتجون الآخرون باستخدام صادرات النفط كسلاح لدعم الفلسطينيين. كما تبدو آفاق الطلب على النفط مختلفة بشكل صارخ. في السبعينيات، كان استهلاك النفط الخام في ارتفاع وكان المنتجون لديهم قدرة إضافية محدودة. واليوم، على الرغم من أن الطلب وصل إلى مستوى قياسي بلغ 103 ملايين برميل يومياً، فقد تباطأ النمو، ويرجع ذلك جزئياً إلى الجهود المبذولة للتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري.

وبعد صعوده إلى نحو 100 دولار للبرميل في نهاية سبتمبر/أيلول، انخفض خام برنت أكثر من 10%، الأسبوع الماضي، في إشارة إلى أن التجار شعروا أن التوقعات الاقتصادية العالمية فشلت في تبرير مثل هذه الأسعار المرتفعة. وكان الارتفاع في الأشهر الأخيرة، غير مدفوع بالطلب، وإنما مدعوم بتخفيضات الإنتاج من قبل السعودية وروسيا وأعضاء آخرين في تحالف "أوبك +".

ولم تقم صناديق التحوط ببيع الأسهم المرتبطة بالنفط فقط قبل بدء الحرب بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وإنما باعوا أيضاً العقود الآجلة للنفط، وسط الشكوك التي كانت سائدة حول المدة التي قد يستمر فيها ارتفاع الأسعار الأخير، بعد الارتفاع الأولي في شهية الشراء.

وفي غضون أسبوعين فقط، باعت صناديق التحوط ما يعادل 57 مليون برميل من النفط والوقود بعد تراكم مشتريات قدرها 398 مليون برميل على مدى الأسابيع الـ 13 السابقة. وفي الأسبوع المنتهي في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول وحده، بلغ إجمالي المبيعات ما يعادل 33 مليون برميل.

لكن ما ان اندلعت "طوفان الأقصى" ارتبكت الأسواق، وسارع بعض المراقبين إلى الإشارة إلى أن علاوة الحرب قد عادت إلى أسواق النفط، وأنها يمكن أن ترتفع أكثر إذا انتشر الصراع إقليمياً، خاصة في حال تورط الولايات المتحدة وإيران في الصراع.

وكانت هناك تقارير تشير إلى تورط إيران في التخطيط للهجوم الذي شنته كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس) ضد الاحتلال، وأبرزها ما ورد من صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نقلاً عمن وصفتهم بمصادر من حماس وحزب الله.

ومع ذلك، ذكرت وكالة أسوشييتد برس بعد يوم واحد، نقلا عن مسؤول في حماس، أنه لم يكن هناك أي علاقة لإيران أو حزب الله في التخطيط لـ"طوفان الأقصى". وفي الوقت نفسه، نقلت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية عن الجيش الإسرائيلي قوله إنه لا يوجد دليل على تورط إيراني في الهجوم.

ولم تصل الولايات المتحدة أيضاً إلى حد إلقاء اللوم على إيران للمساعدة في التخطيط للهجمات، على الرغم من أن الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، قال خلال عطلة نهاية الأسبوع إن حماس تعمل من أجل المصالح الإيرانية.

قد تكون هذه إشارة جيدة، لكن الأمور قد تتغير بسرعة كبيرة، إذا ظهر أي دليل على تورط إيراني. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل من حليف إسرائيل، الولايات المتحدة، وسيستهدف الرد حتماً صناعة النفط الإيرانية بعقوبات قد تؤدي إلى تراجع في نمو الإنتاج الأخير الذي شهدته البلاد، وفق نشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة.

في مثل هذا السيناريو، قد تسعى واشنطن إلى تشديد العقوبات على الخام الإيراني، والتي خففت الولايات المتحدة من وطأتها في العام الماضي لتخفيف الضغط على أسواق النفط وتهدئة الأسعار، في حين شددت القيود على الصادرات الروسية رداً على الحرب في أوكرانيا.

وصدرت إيران 2.2 مليون برميل يومياً خلال أول 20 يوماً في أغسطس/آب الماضي، وفق تقديرات نشرتها شركة "تانكر تراكرز"، التي توفر بيانات بشأن شحنات النفط إلى الحكومات وشركات التأمين والمؤسسات الأخرى. وجاء أغسطس/آب الأعلى من حيث تدفق النفط الخام، بما يزيد قليلاً عن 200 ألف برميل يومياً.

وتبيع إيران الغالبية العظمى من براميلها إلى الصين، حيث يبتعد العملاء السابقون مثل كوريا الجنوبية واليابان عن البراميل الخاضعة للعقوبات. أما الهند، التي كانت في السابق مشترياً كبيراً للنفط الإيراني، فركزت أخيراً على الحصول على المزيد من البراميل من روسيا.

وصدرت إيران 1.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام إلى الصين في أغسطس/آب، وهي أكبر كمية خلال عقد من الزمن، وفقا لبيانات تتبع السفن التي قدمتها شركة "كبلر".

المساهمون