ضرب المستهلكين الأميركيين... سلاح النفط قد يكون أكثر فاعلية لروسيا

ضرب المستهلكين الأميركيين... سلاح النفط قد يكون أكثر فاعلية لروسيا من الغاز

31 يناير 2022
محطة وقود في لوس أنجليس (Getty)
+ الخط -

اتجهت الأنظار سريعاً إلى أسواق الغاز الطبيعي في أوروبا وأسعارها مع تصاعد التوترات بين روسيا والغرب على خلفية الأزمة مع أوكرانيا، إذ زادت التكهنات بإقدام روسيا على قطع الإمدادات عن القارة العجوز في حال فرض عقوبات عليها، لكن هناك من يرى أن الرد الروسي سيكون في سوق آخر، سيكون أكثر تأثيراً ويلحق الضرر بشكل مباشر بالأميركيين أنفسهم.

وكثفت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، من تحركاتها خلال الأيام الأخيرة، لاستكشاف بدائل توريد الغاز في حال قطعت موسكو الإمدادات، وذلك على الرغم من تأكيد الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، في وقت سابق من يناير/ كانون الثاني الجاري، أن بلاده لا تعتزم الإقدام على مثل هذه الخطوة.

زادت التكهنات بإقدام روسيا على قطع إمدادات الغاز عن القارة العجوز في حال فرض عقوبات غربية عليها

ووصف بيسكوف ما نشرته تقارير غربية حول احتمال قيام روسيا بتقليص إمدادات الغاز إلى أوروبا في حالة فرض عقوبات، بأنها "نموذج للهيستريا المفبركة".

وشدد بيسكوف، على أن روسيا حتى في أصعب اللحظات للعلاقات مع الغرب "كانت ضامنا يعتمد عليه لأمان الطاقة في أوروبا".

رد روسي في سوق النفط

ويبدو أن روسيا قد لا تستخدم الغاز بالفعل في سلاحها ضد العقوبات الأميركية والغربية في حال أقدمت على غزو أوكرانيا، وإنما سترد في سوق النفط، ما يعرض الاقتصاد الأميركي والمستهلكين لأضرار بالغة وهو ما تخشاه واشنطن.

وفي مقالة لها في وكالة بلومبيرغ الأميركية، قالت ميغان أوسوليفان، أستاذة الشؤون الدولية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، إنه يمكن أن يؤدي العمل العسكري الروسي في أوكرانيا إلى أزمة طاقة أكثر حدة من الأزمة التي تضرب أوروبا حالياً.

وأضافت أوسوليفان أنه إذا ردّ الغرب على روسيا بعقوبات قاسية جديدة، قد يقطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صادرات الغاز الطبيعي، تاركاً القارة ترتجف في منتصف الشتاء، لكن هناك سلاح محتمل آخر من الأسلحة الروسية لم يتم الحديث عنه كثيراً، وقد يكون فعالاً للغاية، ألا وهو القدرة على تعطيل أسواق النفط العالمية، الأمر الذي من شأنه إلحاق الضرر بالمستهلكين الأميركيين بشكل مباشر.

وتابعت أن "روسيا قد تجد في أسواق النفط مكاناً أكثر منطقية للرد، فالسوق العالمي للنفط ضيق للغاية في الوقت الحالي، ويتضح ذلك من خلال ارتفاع أسعار الخام حتى خلال شعور الاقتصاد بثقل متحور أوميكرون".

أميركا تخشى صعود الأسعار

وقالت: "يمكن لروسيا أن ترفع الأسعار العالمية من جانب واحد، إذا خفضت إنتاجها النفطي الحالي البالغ 10 ملايين برميل يومياً، حتى ولو كان ذلك بكمية صغيرة نسبياً، وسيؤثر ذلك بشكل مباشر على الولايات المتحدة، بينما إدارة الرئيس جو بايدن حساسة تجاه أسعار البنزين بشكل يسهل تفهمه".

وارتفعت أسعار النفط في ختام تعاملات الأسبوع الماضي، مسجلة أعلى مستوياتها في أكثر من سبع سنوات، وتواصل مكاسبها للأسبوع السادس على التوالي، في أطول سلسلة من المكاسب الأسبوعية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وتجاوزت العقود الآجلة لخام برنت القياسي عند التسوية 90 دولاراً للبرميل، كما كسرت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي حاجز 86 دولارا للبرميل.

وتتزامن مخاوف أميركا من مواصلة أسعار النفط الصعود، مع انخفاض متوقع لصادرات النفط الروسية في فبراير/شباط المقبل، لتسجل أدنى مستوى لها في خمسة أشهر.

وسيطرح ثاني أكبر بلد مصدر للنفط في العالم 1.31 مليون برميل يومياً من خام الأورال الرئيسي من موانئ البلطيق البحرية خلال الشهر القادم، وهي أقل كمية للصادرات اليومية منذ شهر سبتمبر/أيلول، بحسب تقرير منفصل لوكالة بلومبيرغ الأسبوع الماضي.

ووفق تقرير أورده موقع "أويل برايس" المتخصص في تتبع أسواق الطاقة، فإن ندرة الإمدادات لا تزال مصدر قلق عالمي، إذ تتسبب المخزونات المنخفضة بشكل رئيسي في زيادة توقعات بنوك الاستثمار بتحرك الأسعار صوب 100 دولار للبرميل على المدى القصير.

موقع "أويل برايس": ندرة الإمدادات مصدر قلق عالمي، إذ تتسبب المخزونات المنخفضة بشكل رئيسي في زيادة توقعات بنوك الاستثمار بتحرك الأسعار صوب 100 دولار للبرميل

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، توقع بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس" أن يرتفع سعر خام برنت إلى 100 دولار للبرميل في الربع الثالث من العام 2022 ومتوسط 96 دولاراً للعام بأكمله.

لكن "بنك أوف أميركا" توقع أن يصل السعر إلى 120 دولاراً للبرميل بحلول منتصف العام. كما توقع بنك "جيه بي مورغان"، صعود الأسعار إلى 125 دولارا هذا العام.

وفي تصريحات صحافية قبل يومين، قال مايك ويرث، الرئيس التنفيذي لشركة "شيفرون" العالمية إن الطلب على النفط ينمو بأسرع من الإنتاج مع تعافي العالم من أسوأ ما أتى به الوباء.

وأشار ويرث إلى أنه على عكس السنوات الأخيرة، بدأت السياسات الدولية مثل حشد روسيا العسكري قرب أوكرانيا بإثارة الخوف في الأسواق، مضيفا أنه "لم تكن مثل هذه الأحداث تؤثر حقاً على أسواق السلع قبل بضعة أعوام، أما اليوم فهي تفعل ذلك".

نتائج عكسية للعقوبات 

وتوقع وصول أسعار الخام إلى 100 دولار للبرميل خلال الأشهر القليلة المقبلة. وقد تأتي العقوبات الأميركية على روسيا بنتائج عكسية تطاول الاقتصاد الأميركي ذاته من فوهة النفط، بينما تبدو موسكو على عكس المتوقع حريصة على أن تظل إمدادات الغاز على حالها إلى أوروبا.

ووفق ميغان أوسوليفان، أستاذة الشؤون الدولية في كلية كينيدي، فإن قطع إمدادات الغاز له بعض الجوانب السلبية الملحوظة بالنسبة إلى موسكو، موضحة أن هذه الخطوة من شأنها أن تضر إلى الأبد علاقة روسيا مع الأوروبيين.

وأضافت أن "استهلاك أوروبا من الغاز الروسي أمر رئيسي لاقتصاد بوتين، ففي عام 2021، شكل الغاز الطبيعي الروسي ما يقرب من 13% من إجمالي صادرات روسيا، إذ أودع ما يقرب من 62 مليار دولار في خزائن الكرملين".