خلافات الجزائر وفرنسا ... تصعيد يهدّد تجارة بمليارات الدولارات

خلافات الجزائر وفرنسا ... تصعيد يهدّد مبادلات تجارية بمليارات الدولارات

15 أكتوبر 2021
فرنسا تحتل المركز الثاني في قائمة أكبر المصدرين للجزائر (Getty)
+ الخط -

قلما تأثر التعاون التجاري والاقتصادي بين الجزائر وفرنسا، بتقلب العلاقات السياسية بين البلدين لطيلة عقود طويلة، إلا أن التصادم الأخير بين باريس والجزائر يبدو أنه لن يكون كالسابق، إذ تبدي الجزائر رغبة قوية في "معاقبة" فرنسا تجاريا واقتصاديا بمراجعة المعاملة "المميزة" التي ظل يحظى بها "مستعمر الأمس" خاصة في العقدين الأخيرين، مقابل دعمه لنظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

شراكة تاريخية
منذ خروجها من الجزائر سنة 1962، ظلت فرنسا شريكا تجاريا واقتصاديا مهما بل ورئيسيا للجزائر، حيث بقيت باريس الممون الأول للجزائر بالسلع والخدمات، والمستثمر المباشر الأول، مستفيدة من التاريخ الذي يربط البلدين وتقاطع مصالح الأنظمة بين البلدين، إلى غاية 2013 حين أزاحت الصين فرنسا من على رأس قائمة الدول الممونة للجزائر بالسلع والخدمات.
وبلغة الأرقام، كانت فرنسا الشريك التجاري الثاني للجزائر سنة 2020، بصادرات بلغت 3.6 مليارات دولار ما يمثل 10.6% من واردات الجزائر، خلف الصين بـ 5.7 مليارات دولار، ومتقدمة على إيطاليا بـ 2.4 مليار دولار وألمانيا 2.2 مليار دولار، فإسبانيا 2.1 مليار دولار.

وفي قائمة زبائن الجزائر لسنة 2020، تأتي فرنسا في المرتبة الثانية أيضا، بـ 3.25 مليارات دولار، خلف إيطاليا بـ 3.44 مليارات دولار، وقبل إسبانيا التي استوردت من الجزائر بـ2.3 مليار دولار وتركيا بـ2.12 مليار دولار.
فيما تبقى الاستثمارات الفرنسية المباشرة ضعيفة، فحسب الأرقام التي تحصّلت عليها "العربي الجديد" من الوكالة الجزائرية لدعم الاستثمار، لم تتعد الاستثمارات الفرنسية 2.3 مليار دولار، تمثل 423 شركة أكبرها شركة "توتال" النفطية، "سانوفي" للأدوية و"لافارج" للإسمنت، و"رونو" لتجميع السيارات، بالإضافة لبنوك "بي أن بي باريبا" و"سوسيتيه جنرال" و"بنك فرنسا".

في قائمة زبائن الجزائر لسنة 2020، تأتي فرنسا في المرتبة الثانية، بـ 3.25 مليارات دولار، خلف إيطاليا بـ 3.44 مليارات، وقبل إسبانيا التي استوردت من الجزائر بـ2.3 مليار وتركيا بـ2.12 مليار

ويرى الخبير الفرنسي من أصول جزائرية، سليمان عبد الهادي تمار، مدير مركز الدراسات الاقتصادية "فرانس ايتود" بباريس أن "فرنسا استفادت كثيرا من التقاطع التاريخي بينها وبين الجزائر، للظفر بعدة مشاريع استثمارية، إلا أن فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة شهدت طفرة في "الاستفادة الفرنسية" من الثروات الجزائرية سواء عبر الصادرات أو الاستثمارات، مقابل دعم نظام بوتفليقة، أي علاقة "رابح- رابح".
وأضاف: "مثلا ظفرت شركة سانوفي للأدوية بصفقة لإنشاء مصنع سنة 2013، بـ 40 مليون يورو في وقت كانت متابعة بتهرب ضريبي فاق 50 مليون يورو، وذلك بعد تدخل الرئيس بوتفليقة بطلب من الرئيس فرنسوا هولاند آنذاك، هذا مثال صغير على الامتيازات التي تحصّلت عليها فرنسا وباتت تقلق دولا أخرى".
وأضاف تمار لـ "العربي الجديد" أن "الأصداء تشير إلى تخوف غير مسبوق من طرف فرنسا على مصالحها الاقتصادية جراء التصعيد الذي تشهده العلاقات بين البلدين، خاصة وأن الجزائر الرسمية أبدت توجها لقطع الامتيازات الفرنسية في الجزائر".

مع تصاعد التوتر بين باريس والجزائر، بدأت الأصوات تتعالى في الجزائر مطالبة بضرورة قطع التبعية الجزائرية لفرنسا تجاريا واقتصاديا

وتوترت العلاقات الجزائرية الفرنسية بشكل غير مسبوق، في أعقاب قرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين. وازدادت تأزماً بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اتهم فيها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنه "يعيش ضمن نظام صعب"، في تلميح إلى أن الرئيس تبون محاصر من قبل الجيش.
كما شكك ماكرون في وجود كيان للأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، ما دفع بالرئيس الجزائري لاستدعاء السفير الجزائري بباريس ومنع الأجواء الجزائرية على الطائرات الحربية الفرنسية المشاركة في عملية "برخان" شمال مالي.

بوادر القطيعة
ومع تصاعد التوتر بين باريس والجزائر، بدأت الأصوات تتعالى في الجزائر مطالبة بضرورة قطع التبعية الجزائرية لفرنسا تجاريا واقتصاديا.

وبدأت هذه الأصوات في إيجاد آذان صاغية، حيث شرع العديد من الشركات الجزائرية في مراجعة عقودها مع شركات فرنسية ممونة لها بالمواد الأولية، حسب ما علمته "العربي الجديد" من عضو غرفة الصناعة والتجارة الجزائرية بباريس، عبد النور إلياس، الذي أضاف أن "العديد من الشركات الجزائرية اتصلت بالغرفة لإبلاغها بفسخ عقود التموين التي تربطها بشركات فرنسية وتبحث عن بديل في إسبانيا أو إيطاليا لقربها من الجزائر، بعدما كانت الشركات الفرنسية الملاذ الأول لها".

وعلى نفس الطريق، كشف مدير شركة ناشطة في الطاقة الشمسية، محمد شرقي، أنه "أبلغ ممونة بالمصابيح والألياف الكهربائية الفرنسية وأنه لن يجدد العقد الذي يربطهما، وأنه يبحث عن ممون آخر من إسبانيا أو إيطاليا وحتى تركيا، لتموينه بدءا من يناير/كانون الثاني 2022."
ويعتبر نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "ما قام به يعد التزاما مع بلده، وعلى كل جزائري أن يسبق مصلحة البلاد على مصلحته، علينا أن نفك ارتباطنا مع فرنسا ونقطع هيمنتها، فربما نجد نوعية وسعرا أفضل".

كبح الهيمنة
وسبق الخلاف الجزائري الفرنسي، إبداء الجزائر منذ وصول عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم نهاية 2019، نية في كبح الهيمنة الفرنسية على المشهد الاقتصادي والتجاري، من خلال فسخ عقود شركات فرنسية ظلت تحتكر الخدمات، كشركة "سيال" التي ظلت تسير توزيع المياه لأكثرمن 15 سنة، وشركة "مترو باريس" التي سيرت "مترو الجزائر" لـ 10 سنوات، وإلزام شركة "لافارج" بالتوجه نحو تصدير الإسمنت، بالإضافة إلى مراجعة شروط استيراد القمح الذي تحتكر فرنسا تدفقه نحو الجزائر بقرابة 1.6 مليار دولار سنويا.

ويرى المستشار الحكومي وعضو سابق بمجلس المحاسبة الجزائري، عبد الرحمان مبتول، أن "الجزائر الرسمية لم تعد تخفي توجهها للتعامل بواقعية في تسيير مصالحها التجارية والاقتصادية، من خلال كبح هيمنة فرنسا على الأسواق الجزائرية في العديد من المجالات، ولعل أبرز مظاهر هذا التوجه هو إنهاء عقود "مترو باريس RATP" الذي كان شيئاً يصعب حدوثه".
وأضاف: "كما أن المنتدى الجزائري الفرنسي لم يعقد منذ 2019، بعدما كانت تسهر الحكومتان الجزائرية والفرنسية على تنظيمه دوريا، هذا توجه يجب أن يتواصل، شرط أن تكون مصلحة الجزائر مسبقة عن الاعتبارات السياسية".
وتابع الخبير الجزائري في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الشركات الفرنسية استنفعت من الأموال الجزائرية، وتم ذلك على حساب شركات جزائرية، ولكن الأكيد أن العلاقات الاقتصادية الجزائرية الفرنسية تبقى معقدة ويصعب أن تنهار أو تتغير جذريا إلا إذا دخلنا في قطيعة تامة مع فرنسا".

المساهمون