باكستان على خطى سريلانكا...المنازل والمصانع بلا كهرباء

باكستان على خطى سريلانكا...المنازل والمصانع بلا كهرباء

20 ابريل 2022
ارتفاع التضخم يزيد الضغوط المعيشية على المواطنين (الأناضول)
+ الخط -

تقترب باكستان من المشهد السريلانكي، إذ يعاني المواطنون نقصاً في السلع الأساسية وانقطاعاً متكرراً للكهرباء، ما يتسبب بصعوبات معيشية هي الأعنف في نحو 70 عاماً بفعل الانهيار المالي للدولة، التي تضررت بشدة من ارتفاع كلف استيراد الوقود والسلع في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، نهاية فبراير/ شباط الماضي.

تكافح باكستان لشراء الوقود من السوق الفورية، بعدما قفزت أسعار الغاز الطبيعي المسال والفحم إلى مستويات قياسية في مارس/ آذار الماضي، مع تفاقم نقص الإمدادات بسبب الحرب الروسية والعقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو.

وقفزت تكاليف الطاقة في الدولة الواقعة في جنوب آسيا ويقطنها نحو 220 مليون نسمة، بأكثر من الضعفين لتصل إلى 15 مليار دولار في الأشهر التسعة المنتهية في فبراير/ شباط، ليفاقم ذلك عدم قدرة الدولة على إنفاق المزيد على الشحنات الإضافية.

وفُقد نحو 3500 ميغاوات من الكهرباء بسبب نقص الوقود في 13 إبريل/ نيسان الجاري، وفق تغريدة على موقع تويتر لمفتاح إسماعيل، الذي اختاره رئيس الوزراء الجديد شهباز شريف وزيراً للمالية، وقال إنّ قدراً مشابهاً فُقد بسبب عيوب فنية.

وتُعقد أزمة الكهرباء التحدي الاقتصادي الصعب بالفعل أمام شريف، الذي لم يعين وزيراً للطاقة بعد، عقب الإطاحة بالزعيم السابق عمران خان، بحجب الثقة عنه في اقتراع جرى في وقت سابق من إبريل الجاري.

إلى جانب الارتفاع القياسي بأسعار الطاقة، ألغى موردو الغاز الطبيعي المسال من أصحاب العقود طويلة الأجل لباكستان، العديد من الشحنات التي كان من المقرر تسليمها على مدى الأشهر القليلة الماضية، ما قلص الإمدادات أكثر.

وطرحت البلاد مناقصة، يوم الأحد الماضي، لشراء ست شحنات من الغاز الطبيعي المسال من السوق الفورية، لكن قد تكلف ترسيتها بالكامل الحكومة مئات الملايين من الدولارات.

وقال سميع الله طارق، رئيس الأبحاث في الشركة الباكستانية الكويتية للاستثمار، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية: "لن يتغير الوضع في باكستان على المدى القريب، لأنّ الآليات العالمية ما زالت كما هي، وتشهد الدولة انقطاعات إجبارية للتيار الكهربائي، تبعاً لنقص الطاقة".

وبجانب العوامل الخارجية، تخشى الحكومة الباكستانية الجديدة ردة فعل عنيفة من المواطنين في حال رفع أسعار الطاقة، لكن هذه الخطوة تنذر في المقابل بتعثر مفاوضات الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 6 مليارات دولار.

وكان رئيس الوزراء السابق عمران خان قد أعلن عن خفض أسعار الوقود والكهرباء في فبراير/ شباط، برغم ارتفاع الأسعار العالمية، في محاولة لاستعادة الدعم الشعبي. لذا أبقت الحكومة الجديدة على أسعار الوقود دون تغيير.

وقالت وزارة المالية في بيان، مطلع الأسبوع الجاري، إنّ إدارة شريف أبقت على أسعار البنزين عند 149.86 روبية للتر (0.8 دولار)، والديزل عند 144.15 روبية للتر (0.78 دولار).

لكنّ أمرين سوراني، رئيس الأبحاث في شركة جيه إس غلوبال كابيتال، قال لوكالة بلومبيرغ إنّ قرار الإبقاء على أسعار الوقود يجعل باكستان "بعيدة عن أهداف صندوق النقد الدولي"، مضيفاً أنّ هذا الأمر يشكل "مصدر قلق بعض الشيء".

وكان من المقرر أن تحصل البلاد خلال العام الجاري على 3 مليارات دولار، وهي قيمة نصف القرض بموجب برنامج صندوق النقد الدولي، إذ تواجه المالية العامة للدولة صعوبات كبيرة، فقد انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي لتلبية احتياجات الواردات إلى أقل من شهرين، وتراجعت الروبية إلى مستوى قياسي منخفض منذ بداية إبريل/ نيسان قبل أن تتعافى الأسبوع الجاري.

ولم تنتهِ بعد المراجعة السابعة التي يجريها صندوق النقد للاقتصاد الباكستاني منذ مارس/ آذار الماضي، والتي ستترتب عليها الموافقة على قرض جديد لباكستان.

وتُقدر وزارة المالية كلفة الإبقاء على سعر الوقود بنحو 373 مليار روبية (2.1 مليار دولار)، ما يؤدي إلى الضغط على المالية الحكومية بطريقة لا يمكن استمرارها.

بيد أن شهباز شريف قال، مساء الجمعة الماضي، إنه لن يتم رفع أسعار الوقود "من أجل المصلحة العامة"، موضحاً أنّ "الناس كانوا سيصبّون اللعنات على الحكومة الجديدة بعد ثلاثة أيام فقط من وصولها إلى السلطة، إذا أقدمت على هذه الخطوة".

وسيكون التراجع عن دعم الوقود حساساً من الناحية السياسية بالنسبة لحكومة جديدة تحاول حشد الدعم الشعبي في وقت يبلغ فيه التضخم 12.7%. وقال الاقتصادي الباكستاني قيصر بنغالي، الذي شغل في السابق عدداً من الأدوار الاستشارية الحكومية: "إما أن ترفع الحكومة الجديدة الأسعار، وهو أمر مكلف سياسياً، أو أن تغطي العجز عن طريق خفض النفقات غير التنموية الأخرى، وهو شيء صعب من الناحية السياسية".

ويتجاوز الدين الخارجي لباكستان 130 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية، بينما كان يقدر بنحو 32.2 مليار دولار عام 1998 وفقاً لإحصاءات البنك الدولي.

وتأتي حاجة باكستان لإنقاذ مالي خارجي في وقت تشهد فيه سوق الائتمان الدولي ضغوطاً في ظل تأثيرات الحرب الأوكرانية وتشديد البنوك المركزية حول العالم للسياسة النقدية برفع أسعار الفائدة لمواجهة معدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

ويجعل ذلك من الصعب على دول الاقتصادات النامية مثل باكستان توفير التمويل من الأسواق الدولية، وأيضاً إعادة جدولة الديون المستحقة عليها ومدفوعات خدمتها من أقساط وفوائد.

وقالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمية قبل أيام، إنّ "تدهور سعر العملة ناتج من عجز الميزان التجاري المتزايد، وهروب رؤوس الأموال من باكستان، فضلا عن مدفوعات مستحقات الدين التي خفضت احتياطيات النقد الأجنبي لتصل في مطلع هذا الشهر إلى 11.3 مليار دولار فقط".

وتواجه باكستان مستحقات خدمة ديون بنحو 20 مليار دولار في السنة المالية الجديدة التي تبدأ بعد نحو شهرين. وإن كانت تلك المستحقات تتضمن ودائع سعودية وصينية بنحو 7 مليارات دولار، تعتقد مؤسسة فيتش أنّه "سوف يتجدد إيداعها" في البنك المركزي الباكستاني.

لم يتوقف تأثير غزو روسيا لأوكرانيا عند حدوث أزمة إنسانية وإثارة اضطرابات في الأسواق المالية العالمية، بل إنّه يهدد الآن بسحق الكثير من الاقتصادات النامية والفقيرة، بعد تأثرها بارتفاع فاتورة واردات النفط وارتفاع كلف الاقتراض وتراجع عائدات رئيسية مثل السياحة.

وانزلقت سريلانكا سريعاً نحو أزمة مالية ومعيشية هي الأسوأ في 70 عاماً بفعل تداعيات الغزو الروسي وتراكمات جائحة فيروس كورونا. وقال الخبير الاقتصادي لدى "بلومبيرغ إيكونوميكس" أنكور شوكلا إنّ "الحرب بين روسيا وأوكرانيا تسببت في تفاقم وضع الميزانيات الخارجية الضعيفة بالفعل، ما زاد الفجوة بين المتطلبات المالية الخارجية ومصادر التمويل المتاحة".

وأضاف شوكلا أنّ باكستان وبنغلادش وجزر المالديف ونيبال تأتي ضمن الدول الأخرى المعرضة للخطر في جنوب آسيا. ورغم أنّ الروابط التجارية والمالية المباشرة مع روسيا وأوكرانيا محدودة، فإنّ "صدمات الأسعار والإمدادات تُعدّ قوية"، بحسب مذكرة كتبها شوكلا في مارس/ آذار الماضي.