الغلاء يوسع حملات المقاطعة في مصر

الغلاء يوسع حملات المقاطعة في مصر

29 ابريل 2024
قفزة أسعار اللحوم دفعت مواطنين إلى وقف شرائها (فاضل داود/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المواطنون المصريون ينظمون حملات مقاطعة واسعة للسلع الأساسية كرد فعل على الغلاء المتزايد والتضخم الذي بلغ 35.7%، مستخدمين شعارات مثل "خليه يعفن" لدفع الأسعار للانخفاض ومواجهة الاستغلال الاقتصادي.
- الحملات تكبد التجار خسائر وتعكس قوة التأثير الاقتصادي للمقاطعة، مع تأكيد المشاركين على ضرورة الحصول على أسعار معقولة ومنصفة للسلع الأساسية، مما يشير إلى الدور الفعال للمجتمع في التأثير على السوق.
- الصيادون والخبراء الاقتصاديون يشيرون إلى أن المشكلة تكمن في التجار وضعف الرقابة الحكومية، مؤكدين على أهمية تعزيز الإنتاج المحلي وتحسين الشفافية لمواجهة الاحتكار والتلاعب بالأسعار، ويعتبرون المقاطعة إشارة للحكومة للتدخل.

بعد أن فشلت الحكومة المصرية في وضع حد للغلاء، اندفع مواطنون نحو تبنّي حملات مقاطعة للأسماك ثم امتدت إلى اللحوم والبيض وسلع أساسية أخرى، في محاولة لكسر حدة الأسعار وسط أزمات معيشية متفاقمة يعاني منها الشارع.

وقفز التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 35.7 في المائة في فبراير/شباط الماضي، بعدما كان 29.8 في المائة في يناير/كانون الثاني الماضي، مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في مارس/آذار الماضي.

وانشغل الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي بمحاربة الغلاء الذي طاول اللحوم التي قفز سعرها إلى أكثر من 400 جنيه (الدولار = نحو 48 جنيها). ويأتي ذلك بعد حملة موسعة لمقاطعة الأسماك تصاعدت خلال الأيام الماضية. 

كساد الأسواق 

في أزقّة محافظة الإسكندرية (شمال مصر) الضيقة والمليئة بالحركة والنشاط، يتجول الناس بخطوات مستعجلة وأعين مشغولة بأمورها اليومية، تتناثر المحال التجارية على جانبي الشوارع، تزدهر بألوانها المتعددة، وتعبق بروائحها المغرية، وفي هذا السياق المشوق والمليء بالحياة، تتحدى مشاهدٌ جديدة الروتين المعتاد.

تتراصّ الأسماك بحرفية وعناية في محلات البيع، وينتظر بائعوها بصبر، ولكن هناك تغييرًا غريبًا يعتريها، يبدأ من زعانفها، ويمتد إلى قشرتها اللامعة، فلقد تحولت إلى سلع تعاني الكساد، بل وأصبح لونها باهتًا بينما الزبائن تمر أمام هذه الصورة بلا اكتراث، وكأنها مجرد وجبات مصنّعة بلا قيمة، فيرمقونها بتجاهل.

داخل أسواق الإسكندرية الشعبية والمزدهرة، تتحدى هذه المشاهد المأساوية روح المدينة وتراثها البحري العريق، فالأسماك التي كانت تعد أحد رموزها الحضرية الشهيرة، باتت الآن ضحية لاستغلال الأسعار المرتفعة، ما دفع الأهالي إلى إعلان مشاركتهم في حملة للمقاطعة لمدة شهر تحت عنوان "خليه يعفن" حتى انخفاض الأسعار.

وفي أيام قليلة، اجتاحت الحملة أروقة الأسواق في المدينة الساحلية، والتي سبق أن انطلقت من مدينة بورسعيد (شمال شرق مصر)، ثم انتشرت في عدد من المحافظات، ودعا المشاركون فيها الناس إلى عدم شراء الأسماك لفترة محددة، بهدف إحداث تأثير اقتصادي يجبر التجار على خفض الأسعار.

وسرعان ما لاقت تلك الحملات رواجا كبيرا واستجابة بين المواطنين، والتي يستخدم المشاركون فيها وسائل التواصل الاجتماعي للتنسيق وتبادل الأفكار والخطط، مما يعزز قوة الحركة، ويوسع نطاق تأثيرها. 

مقاطعة سلع أخرى 

في غضون ذلك، بدأت حملات مشابهة في القاهرة والسويس وكفر الشيخ والإسماعيلية، وغيرها من المدن الكبرى، لمقاطعة معظم السلع الأساسية التي تشهد مصر تضخما هائلا في أسعارها. كما أطلق رواد التواصل الاجتماعي حملة جديدة بنفس الاسم لمقاطعة شراء الفراخ والبيض واللحوم الحمراء، في محاولة لإجبار التجار على خفض الأسعار.

ورغم تشكيك البعض في جدوى المقاطعة، أبدى نشطاء وعدد كبير من المواطنين حماسا كبيرا لها بعد نجاحها في جذب الكثيرين إلى المشاركة فيها، بعد أن حققت انخفاضا نسبيا في الأسعار وساهمت في إلحاق خسائر ليست بالقليلة لبعض التجار.

منسق حملة "خليها تعفن" بمحافظة الإسكندرية، فؤاد عبدالفتاح، قال: "تشهد مصر حالة من الغلاء المتزايد لأسعار معظم السلع الأساسية، ومن بين المنتجات التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في أسعارها الفترة الأخيرة هي الأسماك، وصلت إلى أرقام غير مسبوقة لا تناسب محدودي الدخل".

وأضاف عبدالفتاح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن مقاطعة الأسماك هي رسالتنا الواضحة للتجار وأصحاب المحلات، حيث نريد أن نرسل رسالة قوية بأننا لن نقبل هذا الظلم الاقتصادي بصمت، نحن نطالب بأسعار معقولة ومنصفة للأسماك، في متناول قدرات معظم الناس، حتى يتمكن الجميع من التعايش في ظل الظروف الصعبة.

"نحن نعيش في مدينة ساحلية والأسماك تعتبر جزءا أساسيا من ثقافتنا وتراثنا البحري، ولكن بسبب الاستغلال الذي نتعرض له قررنا أنه لا يمكننا السكوت ومواصلة دفع أسعار مبالغ فيها ".. قالها أحد المشاركين الفاعلين في حملة المقاطعة بالإسكندرية عيسى أبوضيف، لـ"العربي الجديد".

وأكد في الوقت نفسه أن أسعار الأسماك شهدت انخفاضا بسبب ضعف الإقبال على الشراء من المواطنين. ويستطرد أبو ضيف: "نحن نعلم أن هناك تكاليف تشغيلية ونفقات أخرى يتحملها التجار، ولكن يجب أن يكون هناك توازن بين الربح وزيادة الأسعار بدون مبرر، فنحن مستعدون لدعم التجار الذين يقدمون أسعارا منصفة ومعقولة، ولكن لن نتسامح مع الاستغلال والغلاء المفرط. فهدف المقاطعة ليس إلحاق الضرر بأي طرف".

وتابع أبوضيف: "نحن كمواطنين، قررنا الوقوف صفًا واحدًا ضد ارتفاع الأسعار المجنون وسلوكيات بعض التجار وعرض المشكلة للعلن، ونأمل أن تتجاوب الجهات المعنية مع مطالبنا، وتتخذ إجراءات لتصحيح هذه الأوضاع". 

موقف الصيادين 

بدوره، أوضح شيخ الصيادين بالإسكندرية، أشرف زريق، أن الصيادين ليست لهم علاقة بارتفاع الأسعار لدى التجار، مشيرا إلى أن مهمة الصياد تنتهي عند وصول المراكب للبر وتوصيل طاولات الأسماك بهامش ربح بسيط يتناسب مع ما يتحملونه من تكلفة التراخيص والتجهيزات للإبحار. وطالب زريق الحكومة بتشديد الرقابة على الأسواق، بالإضافة إلى زيادة تنمية الثروة السمكية بالأخص البحرية، للمساهمة في تخفيض الأسعار والتي شهدت زيادة غير مسبوقة في الفترة الأخيرة.

من جانبه، أكد رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء محمود العسقلاني في حديثه لـ"العربي الجديد" علي أهمية سلاح المقاطعة الشعبية ودورها القوي في ضبط آليات السوق بعيدا عن القوانين والتشريعات الحكومية.

وأعلن العسقلاني مشاركة جمعية مواطنون ضد الغلاء ودعمها لحملة مقاطعة الأسماك، ودعوة مواطني القاهرة إلى التوقف التام عن الشراء حتى بداية 4 مايو المقبل، قبل أعياد الأقباط لمواجهة سلوكيات بعض التجار في رفع الأسعار. وأوضح أنه في ظل ضعف الرقابة الحكومية على الأسواق يجب أن تكون المقاطعة لفترة محددة قصيرة، مع إيجاد بدائل لمنع عودة الأسعار إلى الارتفاع، وإذا لم يستجب التجار لخفض الأسعار، فستعاود الحملات نشاطها مرة أخرى.

ضجر المواطنين 

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي علاء حامد لـ"العربي الجديد" إن حملة مقاطعة الأسماك في مصر تعكس ضجر المواطنين من مشكلة الغلاء ورغبتهم في إيجاد حلول للأوضاع الاقتصادية الصعبة، وقد تكون هذه الحملات بمثابة إشارة إلى الحكومة للنظر في القضايا الاقتصادية العاجلة واتخاذ إجراءات فعالة لتحسين حياة المواطنين.

وتابع حامد، أن التأثير المتزايد لحملات المقاطعة في جميع أنحاء البلاد يدل على قوة الصوت الجماعي والقدرة على تحقيق تغيير إيجابي في المجتمع، ويكشف أهمية سرعة إيجاد حلول مستدامة لمشاكل الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية للجميع.

ونبه إلى أن دعوات المقاطعة ليست الحل الأمثل لمشكلة غلاء الأسعار التي تتطلب حلولًا شاملة تتجاوز تدابير الطوارئ المؤقتة، بعد أن انخفض الطلب على تلك السلع، وهو ما يعرف بالركود التضخمي، ليس بسبب المقاطعة فقط، ولكن بسبب أسعارها التي لم تعد في متناول معظم الناس. ويجب على الحكومة التركيز على تعزيز الإنتاج المحلي، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية في سلسلة التوريد لتقليل الاحتكار والتلاعب في الأسعار.