الدجاج العابر للحدود يُغرق المنتجين في العراق

الدجاج العابر للحدود يُغرق المنتجين في العراق

20 يونيو 2022
تذبذب معروض السلع في الأسواق يدفع الحكومة للاستيراد (Getty)
+ الخط -

تتزايد مخاوف منتجي الدواجن في العراق من تعرض مشاريعهم لضربة مضاعفة بفعل الخسائر التي تكبدوها إثر تراجع الإنتاج الناجم عن نفوق أعداد كبيرة من الدجاج وفتح الحكومة باب الاستيراد، ما ينذر بتسريح عشرات آلاف العاملين في القطاع، بينما تؤكد الحكومة أنه لم يكن أمامها سوى فتح الباب للطيور المستوردة لسد الفجوة الكبيرة في السوق.
ويواجه العراق تراجعاً حاداً في إنتاج الدواجن بعد نحو عامين على تعاف كبير شهدته البلاد في هذا القطاع. ما دعا الحكومة إلى الإعلان في الأسبوع الأول من إبريل/ نيسان، عن فتح باب استيراد المواد الغذائية كافة لمدة ثلاثة أشهر، ومنها الدجاج، بالتزامن مع ارتفاع أسعار السلع، وخشية تذبذب وفرة المعروض في الأسواق المحلية.
ومنذ مارس/ آذار الماضي، تشهد الأسواق العراقية ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية، رغم اتخاذ الحكومة حزمة قرارات لتخفيف وطأتها على السكان.
وتقدر حاجة الطلب المحلي سنوياً من بيض المائدة بنحو 900 مليون دولار، ومن لحوم الدجاج بحوالي 3 مليارات دولار.
ويقر مسؤولون حكوميون بأن فتح باب استيراد الدواجن قد يحمل آثاراً سلبية للقطاع لكن وضع الأسواق في الآونة الأخيرة بات ضاغطاً على المستهلكين.

ويمتلك العراق نحو 400 مزرعة لإنتاج بيض المائدة، موزعة على عدة مناطق، مقابل أكثر من 7 آلاف مزرعة لإنتاج لحوم الدجاج غالبيتها للقطاع الخاص، بينما يصل عدد المشاريع الخاصة بقطاع الدواجن المتوقفة إلى قرابة 3 آلاف مشروع، وفقا لآخر دراسة أعدها جهاز الإحصاء المركزي العراقي في سنة 2020.
وقال مدير عام دائرة الثروة الحيوانية التابعة لوزارة الزراعة العراقية، عباس سالم حسين، إن العراق يستورد حالياً الدواجن من جميع البلدان ما عدا الدول التي تصاب بالأمراض الوبائية، التي يُمنع الاستيراد منها لفترة معينة لحين انتهاء موجة الأمراض الوبائية فيها.
وأشار حسين في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى وجود عمليات تهريب غير شرعية تدخل إلى العراق كما هو حال كافة البضائع الأخرى، وأن العراق تأثر كثيراً من استيراد الدواجن، مما أدى إلى تدهور قطاعات الإنتاج المحلي وتعرض المربين إلى الخسائر كبيرة.
ولفت إلى أن فتح باب الاستيراد من الخارج تسبب في حرمان الكثير من العاملين في هذا القطاع من وظائفهم، مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بسبب تسريح أكثر من 750 ألف عامل في هذا القطاع.

خسائر للمنتجين
في مقابل تبرير الحكومة فتح باب الاستيراد لعدم كفاية المنتج المحلي، قال عمار الجبوري، وهو صاحب مشروع دواجن، إن غياب دعم الدولة وغلاء وقود مولدات الطاقة الكهربائية، فضلاً عن رفع أسعار الأعلاف والأدوية البيطرية، أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من طيور الدواجن.
وأضاف الجبوري لـ"العربي الجديد" أن "هذا القطاع بات يعتمد اليوم على المدخلات الصناعية المستوردة من أعلاف وأدوية بيطرية، بسبب تعرض منشآت التصنيع الزراعي إلى التدمير بعد أحداث غزو العراق في 2003".
وأكد أن هناك أسباباً أخرى متعلقة بسياسة إغراق الأسواق العراقية، والتي دخلت بموجبها كميات كبيرة من البيض والدجاج من خارج البلد، نتيجة لدعم جهات متنفذة لشركات موردة تسيطر على مفاصل مهمة من سوق الدواجن في العراق.

بدورها، اعتبرت أستاذة الاقتصاد الزراعي في جامعة بغداد، زهرة هادي، أن فتح باب الاستيراد سيؤدي إلى انهيار قطاع الدواجن، بسبب رخص المستورد ومنافسته للمحلي، مشيرة إلى أن الاستيراد سيدفع اصحاب الدواجن إلى بيع حقولهم (مزارعهم) وتسريح آلاف العاملين في هذا القطاع الاقتصادي المهم.
وأضافت زهرة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن فتح الاستيراد سيدفع أيضا بعض أصحاب مشاريع الدواجن لإنشاء حقول في دول الجوار واستيراده مرة أخرى من الخارج، فضلاً عن عزوف المربين عن المنافسة مع المستورد بسبب قلة تكلفة المستورد، مما يؤدي إلى زيادة البطالة بسبب توقف أصحاب المشاريع في العمل بهذا القطاع داخل العراق بفعل تزايد الاستيراد.
وتابعت أن خروج مبالغ كبيرة من العملة الصعبة إلى خارج البلد، والإدارة السيئة من قبل أصحاب المشاريع حيث تعد الإدارة في أي مشروع من أهم أسباب نجاح أو فشل هذا المشروع، كانت سبباً آخر يضاف للأسباب التي أدت إلى تدهور هذا القطاع، محذرةً من استمرار قلة دعم الدولة لأصحاب مشاريع الدواجن الصغيرة والمتوسطة في مجال الأعلاف والعلاجات البيطرية واللقاحات وتوفير الكهرباء.
وقالت إن قطاع الدواجن يتميز بسرعة الإنتاج، وبالتالي سرعة دوران رأس المال إضافة إلى الفوائد الأخرى التي يتم الحصول عليها من المنتجات الثانوية كالريش الذي يستعمل في صناعة الملابس والمخلفات البروتينية التي تستخدم كسماد عضوي، وأيضا تُستخدم الفضلات كسماد نيتروجيني في تسميد أشجار الفواكه وشتول الخضر.
واعتبرت أن مشاريع الدواجن في حال تطويرها قادرة على استيعاب مليون فرد للعمل في مختلف مفاصل عملية الإنتاج، بدءاً من الطاقم المسؤول عن الإدارة والتشغيل الحقلي، بالإضافة إلى عمال النقل والتسويق وأصحاب المجازر ومحال الأعلاف وبيع المستلزمات البيطرية، وصولا إلى بائع المفرد.

اعتبرت أستاذة الاقتصاد الزراعي في جامعة بغداد، زهرة هادي، أن فتح باب الاستيراد سيؤدي إلى انهيار قطاع الدواجن، بسبب رخص المستورد ومنافسته للمحلي


وشددت على ضرورة تدخل الدولة لتسويق المنتج وحمايته من انخفاض الأسعار في أوقات الوفرة وبالتالي ينعكس الأمر سلبا على أصحاب المشاريع من التعرض للخسارة، والحد من عمليات استيراد الدجاج وبيض المائدة من الخارج للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.

منافسة سعرية
فيما يرى مستشار لجنة الزراعة في البرلمان العراقي، عادل المختار، أن قطاع الدواجن في العراق بُني على أسس غير صحيحة من خلال فتح منافذ الاستيراد من الخارج، وهذه القاعدة لا تولد حماية للمنتج المحلي والمحافظة على سعره الثابت في السوق، ومع الأزمة الاقتصادية الراهنة ارتفعت تكلفة الإنتاج مما فتح المجال أمام المستورد ليدخل إلى السوق العراقية.
وأضاف المختار من خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن تغير سعر السوق في الفترات الماضية أدى إلى فتح الاستيراد، مما تسبب بانخفاض أسعار البيض الذي تسبب بخسائر كبيرة للمنتجين الذين توقفوا عن طرح الإنتاج للسوق وتطوير منتجاتهم.
مبيناً أن العراق منذ 2003 لم يصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من منتجات بيض المائدة والدجاج، لأنها تشهد تكلفة إنتاج مرتفعة، وأن شروط الاكتفاء الذاتي أن تكون السلع متوفرة على مدار السنة وبأسعار مناسبة بمتناول يد المواطنين أصحاب الدخل المحدود، وكل ما يُعلن هو مجرد توقعات بعيدة عن الواقع.
أوضح مستشار لجنة الزراعة في مجلس النواب، أن العراق يشهد موجة جفاف كبيرة تسببت بانهيار قطاع إنتاج الدواجن، ولغاية الآن لم تضع الجهات المعنية في العراق برامج عمل واقعية لحماية قطاع الدواجن من أي تقلبات في السوق، خاصة أن العراق يُعد خامس دولة في العالم متضررة من الجفاف بحسب مقررات مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (غلاسكو).
وأكد المختار على أهمية تفعيل التسويق الزراعي للنهوض بقطاع الدواجن والزراعة بشكل عام، فضلاً عن إعداد دراسات وبرامج عمل وحماية ودعم حكومي لتطوير هذه القطاعات، وتقليل تكلفة الإنتاج الزراعي لمنافسة البضائع والمنتجات المستوردة.

المساهمون