أوروبا مقبلة على معركة لجلب العمالة الشابة... قلق من الشيخوخة

أوروبا مقبلة على معركة لجلب العمالة الشابة... الشيخوخة تهدد الرفاهية

22 ابريل 2024
لاجئ سوري خلال تلقيه تدريباً في أحد مصانع مدينة هانوفر الألمانية، 2019 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أوروبا تواجه تحديات ديموغرافية بسبب انخفاض معدلات المواليد، مما يدفع لإعادة النظر في سياسات الهجرة لجذب العمالة من دول الجنوب، خاصةً الهند، في قطاعات مثل الصحة والزراعة.
- التوترات السياسية وخطابات كراهية الأجانب تعقد استقبال العمالة المهاجرة، مما يضطر الشركات لإيجاد حلول مبتكرة لنقص اليد العاملة، بما في ذلك نقل الإنتاج لدول ببدائل بشرية.
- التغيرات الديموغرافية العالمية ونمو سكان آسيا وأفريقيا يحتم على أوروبا تعديل سياساتها الهجرية لضمان استمرارية اقتصادها ومواجهة الشيخوخة وانخفاض الخصوبة، مع مراعاة التحديات الاجتماعية والسياسية.

تعيش أوروبا على وقع سجال وقلق على مستقبلها الاقتصادي المرتبط بتراجعها الديمغرافي، جراء تراجع معدلات المواليد ونسب الخصوبة، الأمر الذي يقلق قطاعات المال والأعمال، التي تضغط من أجل تعديل سياسات الانغلاق، خصوصاً مع تشدد الطبقات السياسية بشأن فتح الأبواب للهجرة.

وأشارت دراسة تحليلية للبنك المركزي الدنماركي، نُشرت الأسبوع الماضي، إلى أنه على ضوء تراجع المواليد ستكون القارة مستقبلاً أكثر احتياجاً إلى القوى العاملة من دول الجنوب.

ولفتت الدراسة في تحليلها لواقع أوروبا إلى أنه ستنشب ما يشبه "معركة من أجل توظيف الموظفين المهرة" من خارج أراضيها. يأتي هذا التحليل وسط قراءات قلقة ومتتالية عن الحالة الديمغرافية الأوروبية، والغربية عموماً. وأوضح تحليل البنك الدنماركي أن القارة تتجه أكثر نحو تعويض نقص اليد العاملة الماهرة محلياً بالهندية، وغيرها من الجنسيات.

وفي فبراير/شباط الماضي، أبرمت الحكومة الدنماركية اتفاقية مع نيودلهي لجذب الشباب الهنود إلى الصحة وقطاع التحول الأخضر. الأمر عينه تطبقه اليونان بطلبها نحو 10 آلاف عامل موسمي هندي في قطاع الزراعة، في حين أن إيطاليا التي تتشدد في قضايا استقبال اللاجئين من الشرق الأوسط ودول أفريقيا وتشغيلهم على أراضيها باتت أيضاً متجهة نحو استيراد العمالة الهندية.

وكتب البنك الدنماركي في هذا الصدد أن القوى العاملة الهندية "أصبحت سلعة جذابة" خصوصاً أن الهند تملك مخزوناً هائلاً من الأطفال واليافعين، على عكس ما يعيشه المجتمع الغربي على حافة أقل من 1.4 طفل لكلّ امرأة، وهو معدل لا يكفي في الأصل لبقاء المجتمعات مستقبلاً.

وقال كبير محللي البنك الدنماركي، ينس نارفينغ، في تصريحات صحافية محلية، إن البنك يتعامل في العادة بطريقة غير معتادة مع الأرقام السكانية "لأن نمو سكان العالم الآن يجد نفسه بالفعل على مفترق طرق".

وأوضح نارفينغ: "تواجه بعض البلدان في آسيا وأفريقيا نمواً كبيراً في عدد السكان في سن العمل، وستنخفض هذه النسبة كثيراً في العديد من البلدان الأوروبية"، معتبراً أن "أحد الشروط المهمة لتحقيق النمو (الاقتصادي في المجتمعات) هو عدد الأيدي العاملة التي يجب على أي بلد أن يعملها وينتجها".

حملات كراهية الأجانب

في المقابل يتبنى أقصى اليمين والشعبويون خطاباً محملاً بالكراهية تجاه الأجانب في أوروبا حتى إن كان جلب اليد العاملة يجرى بصيغ عقود محددة السنوات. فهؤلاء ساهموا في فرض ما يشبه نظرة إقصائية إلى مواطنيهم من أصول مهاجرة، وذلك مثلاً ما كشف النقاب عنه قبل أسابيع بشأن مخططات يتشارك فيها حزب البديل لأجل ألمانيا القومي المتشدد وشخصيات من يمين الوسط (المسيحي الديمقراطي).

لكن الشركات الأوروبية تضغط من أجل الاعتماد على اليد العاملة الآتية من الهند وإندونيسيا وباكستان وبنغلادش ونيجيريا وإثيوبيا والكونغو، مشددة على أن هذا الأمر بات هاماً وحيوياً لبقاء عجلة إنتاجها دائرة، لكن ذلك يصطدم بالتأكيد بسنوات من إشاعة كراهية الأجانب ورفضهم في بعض أسواق العمل، بناء على اللون والدين والأصل العرقي.

وبالتأكيد يضع ذلك مسؤولية كبيرة على كبريات الشركات، التي ستكون مضطرة في فترة ما إلى نقل أدوات إنتاجها إلى تلك المجتمعات التي تقدم بدائل بشرية لنقص اليد العاملة. في المقابل ستحتاج بعض المجتمعات في الدول النامية، كنيجيريا والكونغو وإثيوبيا "إلى معالجة أسباب الاضطرابات الاجتماعية التي تقف عائقاً في طريق تأسيس الشركات الغربية لمصانعها على أراضيها" كما رأى البنك الدنماركي.

وبالنظر إلى تقديرات الأمم المتحدة حول انخفاض منحنى القوى العاملة بين سن 18 و64 عاماً في أوروبا، من نحو 290 مليوناً من القادرين على ولوج سوق العمل في 2015 واستمراره في الانخفاض بملايين الأشخاص، وتوقعات انخفاضه أكثر إلى نحو 249 مليوناً في عام 2044، فستكون القارة أمام تحدّ جاد حيال نجاة اقتصاداتها كما عرفتها وقت ذروة الازدهار والرفاهية.

الفجوة، وفقاً أيضاً للأمم المتحدة، بين المطلوب والموجود أمر ينسحب على الاقتصاد الأميركي. ففي حين نمت القوة العاملة في دول الجنوب الفتية عاش المجتمع الأميركي وسط جدل متواصل حول الهجرة، وهو في الأصل مجتمع تأسس وقام اقتصاده على مبدأ الهجرة مبكراً، على وقع نقاشات ما إذا يمكن تعويض النقص في نسب الخصوبة والإنجاب بمزيد من المهاجرين الذين شكلوا سنوياً في سياق مجموع القوة العاملة الأميركية بين 1% إلى 1.5%.

ومع أن القوة العاملة الأميركية ارتفعت، مقارنة بأوروبا، ببضعة ملايين، أي من 213 مليوناً في 2015 إلى حوالي 219 مليوناً إلا أن الحاجة المستقبلية أكبر بكثير، وفقاً لتقديرات بعض الشركات العملاقة والاستشارية في المجال. ويمكن أن تؤدي الحاجة، مع توقعات ارتفاع أسواق العمل الأميركية وازدهارها، نحو تخفيف حدة خطاب "الأجانب"، لأجل جعل المنافسة مع الجانب الصيني تتواصل لمصلحة السوق الأميركي.

أوروبياً، يبدو أن النقاش عن جنسية المنخرطين في سوق العمل قد يكون أقل أهمية للشركات العملاقة والمتوسطة، بما فيها العابرة للجنسيات والحدود، لكنه لا يتوافق مع البيئات السياسية المتصارعة على أساس لون القادمين إلى المجتمعات وعرقهم بصفة يد عاملة مهاجرة، سواء كانت ماهرة أو غير ماهرة، تطرح أسئلة جدية حول البدائل في الغرب نفسه. وهو ما طرحته في عام 2020 الشركة الاستشارية "ماكينزي" عبر سؤال حول "مستقبل العمل في أوروبا".

آفاق سلبية للشيخوخة

حتى من دون الخوض في أدق تفاصيل التطور السلبي في المجتمعات الغربية، وبصورة خاصة مجتمعات أوروبا، فإن من الواضح أن حجم الفجوة بين قوة العمل المطلوبة والمتاح سوف توسعه الحالة المزرية لمسألة نجاة المجتمعات ديمغرافياً، أي في مسألة الإنجاب وارتفاع معدلات الشيخوخة.

في المتوسط تنجب المرأة الأوروبية 1.4 طفل. ونسبة الخصوبة، المتباينة بالتأكيد بين دولة وأخرى، تسير بموازاة زيادة متوسط الأعمار إلى نحو 77.5 سنة، بحسب أرقام الأمم المتحدة، وأرقام وطنية متعددة المصادر، من إسكندنافيا شمالاً إلى إيطاليا جنوباً، بل في حوض المتوسط أيضاً، مثل فرنسا اليونان وقبرص ثمة من يدق ناقوس خطر تراجع الولادات.

في مقابل انكماش بعض الشعوب الغربية يتوقع الخبراء ازدهار أفريقيا على مستوى الموارد البشرية. أضف إلى ذلك أن الصين المنافس الرئيس للغرب ستعاني أيضاً انكماشاً على مستوى المنخرطين في سوق العمل من نحو مليار نسمة إلى حوالى 836 مليوناً في 2044، وهي تحاول ترسيخ أقدامها في أفريقيا. في الوقت عينه، يتوقع أن تتجاوز القوة العاملة في الهند في ذلك العام ملياراً و113 مليون نسمة.

وقبل تحذيرات البنك الدنماركي، حذرت جهات أوروبية عدة من عدم دمج ملايين المواطنين من أصول عرقية غير غربية (خاصة المسلمين والأفارقة) بما يكفي.

هجرة ستينيات القرن الماضي

لكن يمين القارة القومي المحافظ، والشعبويين بصفة رئيسية، يطرحون حوافز وامتيازات لتشجيع الأسر الغربية على الإنجاب، بل ثمة معسكر ليبرالي ورأسمالي أكثر اندفاعاً نحو العودة إلى ما ساد من استيراد القوة العاملة من خارج أوروبا، وفق نموذج هجرة اليد العاملة إلى القارة لإعادة تعميرها بعد الحرب العالمية الثانية، وهي فترة شهدت ذروة تقاطر الكثيرين من المنطقة العربية المشرقية وشمال أفريقيا ومن يوغسلافيا السابقة وتركيا نحو سد العجز الأوروبي.

لكنه بعد عقود من التجربة وتوقفها في أواخر سبعينيات القرن الماضي خلقت أجواء من الانسداد بشأن الأجيال التالية التي ولدت من صلب أولئك المهاجرين الأوائل، إذ بقي التطرف القومي يذكرهم بأنهم حتى إن كانوا من مواليد القارة إلا أن تسميتهم "العمال الضيوف" في أحسن الحالات، أو "الأجانب" في أغلبها، تخلق المزيد من الفجوات النفسية، وما يشبه تمييزاً منهجياً ومؤسساتياً تنتقده منظمات حقوقية متعددة.

مع ذلك، ثمة من يطرح حلولاً لافتقار عالم الأعمال الأوروبي إلى القوى العاملة. فمع الخشية من الناخبين بشأن فتح أبواب أوروبا أمام الهجرة، يطرح بعضهم في الطبقات السياسية التقليدية وعالم الأعمال حلولاً وسطاً. ومن بينها ما يشبه "هجرة مؤقتة"، ربما لعدم السماح بتكرر ما حدث من خلل استمر منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي وتوسع الفجوة بين مجتمعات الأقليات ذات المنبت المهاجر ومجتمعات الأغلبية التي ترسخ لديها اعتقاد أن ضم الناس إلى المواطنة يقوم على الدين والعرق.

الآن يرتفع منسوب الجدل حول استيراد المهرة من الفيليبين والهند وآسيا عموماً في قطاعات حيوية، لكن بسقف "اتفاقيات هجرة" مع دول هؤلاء الذين يحتاج إليهم اقتصاد أوروبا مستقبلاً. وسيكون الحل الوسط اتفاقيات مؤقتة، حيث يؤكد السياسيون على كلمات مثل "التوظيف قصير الأجل" و"رفع مهارات العمال المهاجرين" (أي المقيمين بالأصل)، الذين يجب عليهم بعد ذلك "العودة" إلى وطنهم.

كما أن الحرب الروسية في أوكرانيا وضعت روسيا في مأزق، فالقارة العجوز الحائرة بشأن تأمين مستقبل دولها ومجتمعاتها، إن ديمغرافيا أو على مستوى الاقتصاد ودولة الرفاهية والرعاية، تحاول الابتعاد عن روسيا، ونحو أسواق القارة الأفريقية بصورة خاصة وأعينها على مواردها التي انقطعت من روسيا.

المساهمون