عاود سعر الدولار صعوده في مصر، ليصل إلى معدلات غير مسبوقة في السوق الموازية عند 52.8 جنيهاً، بينما يبلغ سعره رسمياً نحو 30.9 جنيهاً، ما يدفع آلاف المصانع إلى التوقف عن العمل، وتزداد معدلات البطالة، بخاصة بين طالبي الوظائف من الشباب الخريجين.
وكشف المركز المصري للدراسات الاقتصادية في تحليل حديث، أن الاقتصاد يشهد تراجعاً في قدرته على توليد فرص عمل أمام الشباب الخريجين من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة في جميع التخصصات بنسبة فاقت 50% خلال عام، مع عدم قدرة الصناعة على توليد أكثر من 10% من فرص العمل، وتباطؤ إنتاج 50% من فرص العمل المتاحة التي ظلت متاحة بكثرة بقطاع التكنولوجيا وخدمات المعلومات، واستمرار تراجع كفاءة الخريجين الجدد.
وأشارت مديرة المركز، عبلة عبد اللطيف، إلى أن تحليل الطلب في سوق العمل في الربع الثالث من العام الجاري، أظهر تراجعاً بمعدل إنتاج الوظائف الفنية (العمال) ولذوي الياقات البيضاء (الموظفين)، بنحو 50%، خلال عام واحد، تزداد حدتها في العاصمة القاهرة ومحافظات الوجه البحري والإسكندرية، شماليّ مصر، مع ضعف شديد في قدرة محافظات الجنوب في توليد فرص عمل خلال عامي 2022-2023.
ووفق التحليل، تراجعت قدرة قطاع تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، الأكثر جاذبية للشباب الخريجين، على توليد وظائف بنسبة 50%، من تعداد طلبات التشغيل، خلال الربع الثالث من العام، مع استحواذ العاصمة على 92% من تلك الوظائف.
وتظهر النتائج وجود مركزية شديدة في إنتاج الوظائف، ترتفع حدتها كل 3 أشهر، حيث تتركز الأعمال في القاهرة، دون غيرها من المدن الكبرى. وتستحوذ العاصمة على 86% من وظائف الياقات البيضاء، و70% من العمالة الفنية، ويعد مجال خدمة العملاء الأكثر إنتاجاً للوظائف بنسبة 27.3%، يليه البرمجيات بنسبة 11.6%، والمبيعات والتجزئة 9%.
وترجع عضو البرلمان المصري، وعضو مجلس إدارة هيئة الرقابة المالية (حكومية)، ماريان عازر، أزمة التشغيل في قطاع البرمجيات إلى تأثير الأزمة المالية بالشركات سلباً، ودفعها إلى تقليص ميزانيات التدريب والمخاطر الإنتاجية.
وترى مديرة الموارد البشرية في البنك الأهلي المصري (حكومي)، حنان الشيخة، أنّ إحجام الشركات والبنوك عن تعيين حديثي التخرج، يرجع إلى عدم جاهزيتهم لسوق العمل، وتفضيل أصحاب الأعمال من لديهم سنوات خبرة تراوح ما بين عامين إلى 4 أعوام.
وفرت الوظائف الصناعية 10% فقط من فرص العمل المتاحة أمام الشباب الخريجين، ما وصفه وزير التنمية الإدارية الأسبق أحمد درويش بأنه "أمر خطر"، مؤكداً حاجة الدولة إلى زيادة الصادرات النوعية وتوفير متطلبات الحياة اليومية من السلع والمنتجات الصناعية.
وقال درويش إن مشكلة الاقتصاد المصري تكمن في عدم توافر العملة الصعبة التي تظل مصادرها محددة بكمية الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج وقناة السويس وعوائد السياحة والاستثمار المباشر، التي لا تكفي لمواجهة الزيادة بقيمة الواردات، وسداد أقساط الدين وفوائده.
وأشار في كلمته لمناقشة "تحليل طلب الوظائف" الصادر عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، إلى مشاركته في دراسة أجرتها مؤسسة "اليونيدو" التابعة للأمم المتحدة أخيراً، أكدت أن الاتحاد الأوروبي سيكون لديه 10 ملايين وظيفة في جميع التخصصات، لن تجد من يشغلها عام 2030، في مقابل عجز بالوظائف في مصر ودول الشرق الأوسط يقدر بنحو 25 مليون وظيفة، مبيناً أهمية تجهيز الشباب الخريجين للمنافسة على شغل الوظائف الأوروبية.
وتعكس أزمة البطالة حالة التراجع التي يعاني منها قطاع الشركات على مدار 36 شهراً متصلاً، زادت حدتها في الآونة الأخيرة، مع توقف نحو 11 ألف مصنع من بين 42 ألف منشأة صناعية مسجلة رسمياً، توظف 3 ملايين عامل.
وتأتي أزمة نقص الدولار مع تصاعده الحاد مقابل الجنيه، وعدم قدرة البنوك على تدبيره بالأسعار الرسمية للموردين والمستثمرين، من أهم الأسباب التي تدفع الشركات إلى تخفيض عمليات الإنتاج، وتسريح العمالة أو عدم طلب توظيف عمالة جديدة، وفقاً لمؤشر مؤسسة ستاندرد آند بورز لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأكد أعضاء جمعية رجال الأعمال المصريين أن نقص الدولار مع تعدد سعر الصرف بين السوق الرسمية والموازية، أدى إلى تفاقم تكدس مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج في الموانئ وزيادة معدلات التضخم، وتراجع الاستثمار الأجنبي، ما يدفع الموردين إلى الاحتفاظ بما لديهم من مخزون من السلع والمستثمرين إلى انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، من إجراءات مقررة حول تعويم جديدة للعملة، بما يؤثر بشدة في معدلات التشغيل وطلبات التوظيف المرتبطة بها.
وقال رئيس جمعية المستثمرين الصناعيين، محمد جنيدي، إنّ حجم المستلزمات الصناعية المحجوزة بالموانئ، يحتاج إلى 11 مليار دولار للإفراج عنها من قبل وزارة المالية، ما أدى إلى نقص حاد في خامات التشغيل، وتوقف آلاف المصانع، التي تعتمد على جزء كبير في إنتاجها على استيراد مكونات أجنبية.
وأوضح جنيدي أن هناك مشاورات بين وزارتي المالية والتجارة للإسراع بالإفراج عن البضائع المكدسة بالموانئ بضمانات خاصة لحين توافر الدولار، لافتاً في تصريحات صحافية إلى أن ذلك الحل سيظل محدود الأثر والقيمة، ولا يعني حلاً شاملاً لأزمة الدولار.
واتهم رجال الأعمال الحكومة بعدم الشفافية في مواجهة أزمة الدولار، واللجوء إلى حلول وقتية، كلما اشتدت وتيرة الأزمة كل بضعة أشهر، من دون القدرة على إنهائها بشكل كامل.