هكذا تكلم مرسي بلسان "السِّت"

16 فبراير 2014
مرسي جميل عزيز: سيرة الحب
+ الخط -

لم تكن ثمة دراما كبيرة في حياة الشاعر المصري الراحل مرسي جميل عزيز، الذي حلت ذكرى وفاته في التاسع من شباط/ فبراير الجاري (توفي في 1980)، مستحضرةً إلى أذهاننا قصائده الغنائية عن الحب والحياة والمشاعر الإنسانية.

عن العلاقات العاطفية التي وقفت خلف كلماته القوية والمؤثرة، لا نعرف شيئاً. جُلّ ما ندركه هو أن  الشاعر لم يخض إلا نادراً معارك مع شخصيات معروفة في الوسط الفني أو الأدبي أو السياسي، ولم يغذّ نميمة تتوارثها الأجيال، كما هو حال شخصيات أخرى كثيرة. ولعل موهبته وحب المصريين لأغنياته يكمنان في تمكّنه من التعبير ببساطة فريدة عن مشاعر مألوفة لدى عموم أبناء الطبقة الوسطى المصرية المحافظة.

كان عزيز ناصرياً مثل السيدة أم كلثوم. لكن "كوكب الشرق" كانت أكثر انخراطاً في محيط الضباط في مصر، وأكثر حماساً وتأثيراً في المجال السياسي ممن كانوا حولها من شعراء وملحنين. وقد يُخيَّل للمرء أن عزيز كان وثيق الصلة بها، بينما الحقيقة هي أنه لم يقدم لها إلا كلمات ثلاث أغنيات، لكنها ثلاث أغنيات شديدة التميّز عن سائر أغانيها.

فات المعاد ـ 1967

"تعتب عليا ليه..؟

وانا بإيديا إيه..؟

فات المعاد.. فات المعاد

ياما كنت اتمنى اقابلك بابتسامة

أو بنظرة حب أو كلمة ملامة"

بهذه الكلمات استهل عزيز تعاونه مع أم كلثوم، علماً بأنه كان يكتب منذ عشرين عاماً لجميع المطربين المصريين الكبار، وبالتالي كان شاعرًا شهيراً ملء السمع والبصر. أما سيدة الغناء العربي فكانت حريصة على التعاون مع أفضل الشعراء والملحنين وتضع على ابتكاراتهم لمستها الأسطورية في حفلات الخميس المعروفة. وربما تكون قد تأخرت في التعاون مع عزيز، لكن في النهاية هي التي طلبت منه أن يكتب هذه الأغنية التي لحّنها الموسيقار بليغ حمدي، كما لحّن الأغنيتين اللاحقتين اللتين كتبهما عزيز لها.

ووفقاً لبعض الروايات، استغرق عزيز سنة كاملة لكتابة هذه الأغنية، مما يذكّرنا بتقليد شعري عربي قديم "الحوليات"، حين كان الشاعر يمضي حولاً كاملاً -أي سنة- في كتابة قصيدته، مجوّداً فيها ومنقحاً إياها كي تخرج بعد ذلك في أبهى حلة فتُخَلَّد. وساد اعتقاد نقدي بأن عمل الشاعر على القصيدة مدة أطول يجعلها تعيش أكثر. وربما تأثر عزيز بشعر الفصحى الذي اختبره في بداية مساره، كما يتجلى ذلك في ديوانه الأول الذي قدّم له أمير الشعراء أحمد شوقي.

وشهرة أغنية "فات المعاد" تعود إلى كلفة كلماتها العالية في ذلك الوقت. إذ تقاضى عزيز عنها ألف جنيه!

ولفهم ما هو "المعاد الذي فات"  داخل الأغنية، لا بد من العودة إلى تاريخ كتابتها، 1967، أي قبل أشهر قليلة من نكسة حزيران/يونيو العربية. ولهذا سمتها وردة الجزائرية، زوجة الملحن بليغ حمدي، أغنية "التنبؤات".. وفي هذا السياق، نفهم مقطع "وعايزنا نرجع زي زمان.. قول للزمان ارجع يا زمان"!

ألف ليلة وليلة ـ 1969

كانت حرب الاستنزاف على أشدها حين انتشرت في مصر فنون "الإلهاء" الجماهيري بمختلف أشكالها، كالسينما والمسرح والغناء. وكانت جميع المؤسسات الرسمية تعمل على قدم وساق لابتكار مناسبات سعيدة تجعل الناس يشعرون بالإنجاز، أو على الأقل ينسون ما هم فيه.

والابتكار في سنة 1969 كان ذكرى مرور ألف عام على تأسيس مدينة القاهرة. ويُحكى أن عزيز، الذي لُقب بشاعر الألف أغنية، كان يحصي أغانيه. وبالمصادفة، أو لنصدق معًا أنها مصادفة، بلغت أغانيه الألف في ذلك العام، وكانت الأغنية رقم 1001 من نصيب أم كلثوم، بعنوان "ألف ليلة وليلة".

لكن، فلنضع هذا الإطار الأسطوري الدعائي اللطيف الذي يردده مؤرخو الفن حول هذه الأغنية جنباً، ولنعد إلى "الإلهاء".. فاللحن الذي وضعه بليغ حمدي لهذه الأغنية بالذات كاد أن يجعل أم كلثوم المعروفة بوقارها ترقص حرفياً على المسرح. وحتى يومنا هذا، إنه من أكثر الألحان المستخدمة في وصلات الرقص الشرقي "على الواحدة ونص" كما يقول المصريون!

"يالله نعيش في عيون الليل..
ونقول للشمس تعالي  تعالي بعد سنة..
 مش قبل سنة..
دي ليلة حب حلوة بألف ليلة وليلة
بكل العمر.. هو العمر إيه غير ليلة؟ زي الليلة؟"

سيرة الحب ـ 1971

في هذه الأغنية، يكشف عزيز، ولو بحياء، وجهًاً جديداً من وجوهه الفنية، ظهر في أغانٍ أخرى لغير أم كلثوم، مثل "جايين الدنيا ما نعرف ليه.. ولا رايحين فين ولا عايزين إيه" التي غناها محمد عبدالوهاب. وهذا الوجه هو وجه الفيلسوف المتأمل، طارح الأسئلة، الحزين بعمق، والداعي للتفاؤل رغم ذلك. ففي "سيرة الحب"، تؤنّبنا أم كلثوم بكلمات الشاعر قائلةً:

"ياللي ظلمتوا الحب وقلتوا وعدتوا عليه

قلتوا عليه مش عارف إيه

العيب فيكم يا في حبايبكم أما الحب يا روحي عليه

في الدنيا ما فيش أبدا أبدا أحلى من الحب

نتعب، نغلب، نشتكي منه، لكن بنحب".

 

 

المساهمون