جوان سيرّات: لئلا يصير المتوسط مقبرة

جوان سيرّات: لئلا يصير المتوسط مقبرة

20 نوفمبر 2016
(مقطع من "الموجة"، عبد القادر بن عنطور، الجزائر)
+ الخط -
حمّل المغني والشاعر الكتلاني جوان مانويل سيرّات، في لقاء معه في برنامج على القناة الدومينكانية "أنتينا لاتينا"، بلداناً أوروبية مسؤولية كبرى في الأزمة الحالية للاجئين، مذكّراً بالتاريخ الكولونيالي بين أوروبا وجنوب العالم، وإلى "استغلال ثروات هذه البلاد التي تعاني الآن بعد أن أُشعلت فيها الحروب"، مضيفاً بأن الأمر "يتعلّق بمأساة بالنسبة إلى اللاجئين الذين يُفرَضُ عليهم أن يتركوا أوطانهم حيث يتعرضون للقتل الجماعي، ويعيشون في أوضاع لا إنسانية".

بعد مرور عام على تفاقم أزمة اللاجئين وحوادث الغرق التراجيدية في البحر المتوسط، قدّم المغني الكتلاني شريطاً على "يوتيوب" بالاشتراك مع "اللجنة الإسبانية لدعم اللاجئين" حمل عنوان "لننقذ بحرنا المتوسط". من المعروف لدى الجميع أن سيرّات برز من خلال غنائه العديد من قصائد لشعراء من إسبانيا وأميركا اللاتينية؛ من بينهم: أنطونيو ماتشادو، وفيديريكو غارثيّا لوركا، وميغيل هيرنانديث، ورفائيل ألبيرتي، ولويس ثيرنودا، وليون فيليبي، وبابلو نيرودا، وماريو بينيديتي، وإدواردو غاليانو، وخايمي سابينيس، وإرنستو كاردينال، وخوسيه أغوستين غوتيسولو، ولويس غارثيّا مونتيرو، وغيرهم.

كما أنه غنّى أشعاره الشخصية أيضاً؛ من بينها أغنيته الشهيرة: "المتوسط"، الأغنية المحتفية بالحياة، والتي كتبها عام 1970 خلال اعتصام احتجاجي ضد "محاكمة بورغوس" وضدّ إصدار أحكام الإعدام، شارك فيه مع عدد من المثقفين والفنّانين في أثناء حكم الدكتاتور فرانكو في دير مونسيرّات في برشلونة.

في شريط "لننقذ بحرنا المتوسط"، تغدو أغنية جوان مانويل سيرّات التي تعزفها الأوركسترا في الهواء الطلق في حديقة عامة، مناسبة للتذكير دائماً بالمأساة التي عاشها ويعيشها اللاجئون في طريقهم إلى أوروبا، حيث يعرض الشريط مجموعة صور فوتوغرافية تبرز أن هذا البحر الذي شهد رحلات عبور تاريخية منذ الفينيقيين إلى عصرنا الحديث، تحوّل اليوم إلى مقبرة جماعية خطيرة تبتلع أرواح وحيوات الآلاف كل عام، فالبحر المتوسط الحالي بعيد جداً عن ذاك الذي ألهم سيرّات أغنيته الأولى؛ فالمغني في أغنيته الجديدة، التي نقدّم لها ترجمة هنا، يرفض أن يتحوّل المتوسط إلى مقبرة جماعية كبرى.

"المتوسط"

ربّما لأن طفولتي
ما زالت تلهو على شاطئكَ
ومختبئاً خلف الشيب
ينامُ حبّي الأوّل،
أحملُ ضوءك ورائحتك
إلى حيثما رغبتُ أن أمضي
ومستلقياً على رمالك
أحفظُ الحبَّ واللهو والحزن
أنا... الذي في جلديَ الطّعمُ
المرُّ للبكاء الأبديّ
الذي سَكبَه مئة شَعبٍ،
من الجزيرة الخضراء إلى إسطنبول
لكي تلوِّن بالأزرق
لياليَ شتائهم الطوال.

من فيضِ نكباتك
روحُك صارت عميقةً وقاتمة.

تعوّدتِ العيونُ
مساءاتِكَ الحمراء
مثلما يتعوّدُ المُنعرَجُ الطريقَ.
أنا المغني الشَّاعرُ أنا المخادعُ
الذي يستهويني اللعبُ والنبيذ
فروحي روحُ البحَّار...

ما الذي أستطيعه إن كنتُ قد ولِدتُ
في بحر المتوسط...

تدنو وتمضي
بعد أن تقبِّلُ قريتي.
تلاعبُ المدَّ والجزر،
تمضي وأنتَ تفكّرُ في العودة.
أنت مثل امرأةٍ
تتعطَّرُ بالقطران
يحنُّ المرءُ إليها ويعشقها
يعرفُها ويتهيَّبُها.

أوَّاهُ... إذا أتى الموتُ باحثاً عنّي
في يوم سيّئ من أيامي
فادْفعوا المركبَ باتجاه البحر
مع ريح الصَّبا الخريفيّة
واتركوا للعاصفةِ
أن تفكّك أجنحته البيضاء.

أمَّا أنا فادفنوني بلا حداد
بين الشاطئ والسَّماءِ...
ادفنوني في سفح جبلٍ،
في الجهة الأعلى من الأفق.
أودُّ أن أستمتع بمشهدٍ فاتن.
جسدي سيكونُ الطريق،
سيمنحُ اخضراراً لأشجارِ
الصنوبر واصفراراً للرتم...
قريباً من البحر ادفنوني لأني وُلدتُ
في المتوسط...


المساهمون