محمد آيت حنا: يوكو أوغاوا والرواية اليابانية

محمد آيت حنا: يوكو أوغاوا والرواية اليابانية

07 ديسمبر 2020
يوكو أوغاوا تصوير: أولف أندرسن
+ الخط -

تفتتح الكاتبة اليابانية يوكو أوغاوا (1962) روايتها "شرطة الذاكرة" بقولها: "أتساءل أحياناً ما الذي اختفى أولاً - من بين كلّ الأشياء التي اختفت من الجزيرة. "منذ فترة طويلة، قبل أن تولد، كان هناك الكثير من الأشياء هنا"، كانت والدتي تقول لي عندما كنتُ طفلة: "أشياء شفافة، أشياء عطرة، عابرة، مشرقة...أشياء رائعة لا يمكنك تخيّلها. من المؤسف أنّ الأشخاص الذين يعيشون هنا لم يتمكّنوا من الاحتفاظ بمثل هذه الأشياء الرّائعة في قلوبهم وعقولهم، ولكن هذا هو الحال على هذه الجزيرة. تستمرُّ الأمور في الاختفاء، واحدة تلو الأخرى. لن يمرّ وقتٌ طويل قبل أن ترَيْ بنفسكِ، شيءٌ ما سيختفي من حياتك".

تقع أحداث الرواية على جزيرة صغيرة تختفي فيها الأشياء؛ العطور والقوارب والورود والصور، وتراقب شرطة الذاكرة سكانها لكي تضمن نسيان هذه الأشياء إلى الأبد. أبطال أوغاوا هم روائيّةٌ تعيش على الجزيرة بعد أن توفيت والدتها النحّاتة ووالدها عالم الطيور، وهناك الرّجل العجوز صديق العائلة القديم، وكذلك المحرّر الذي يشارُ إليه باسم "آر"، وهي تعمل على روايتها الأخيرة، وفي الوقت نفسه تستمرُّ الأشياء في فقدان أسمائها في الجزيرة.

النسيان يبدأ داخلياً عند كلّ فرد على حدة ثم يختبر بشكلٍ جماعيّ، وتضمنُ الشرطة اختفاء أيّ أثر للشيء أو حتّى للمفهوم الذي تلاشى من الوجود، ليسَ ثمّة سبب واضح للاختفاء، إنّما الألم الحقيقي هو السّؤال إلى أيّ حد سيستمر وما هو دور شرطة الذاكرة بالضبط؟ لا سيما وأنّها تقومُ بأخذ سكان المدينة ممّن تكتشف عجزهم عن النسيان. ولكن كيف يمكن أن يكون المرء روائياً في عالم محكوم بالنسيان، الأشياء تضيع وتتلاشى وتختفي معها أسماؤها فكيف يمكن الكتابة إذا كنّا لا نستطيع تذكُّر الكلمات أو وصف الأشياء أو كيف يمكن كتابة رواية بلا ذاكرة.

 

اختلافها وقوّتها يتلخصان في أصالة الفكرة والتقشّف الأسلوبي

هذه الرواية الخاصّة والغرائبيّة، مثل كلّ أعمال أوغاوا، ينقلها إلى العربية المترجم المغربي محمد آيت حنا، وتصدر قريباً عن دار "الآداب"، وهي عمل وصل إلى اللائحة القصيرة لجائزة بوكر البريطانية للعام الحالي. "العربي الجديد" التقت المترجم في حوار حول العمل وتجربة ترجمته، والذي قال إنه و"خلال اللقاءات التي جمعتني بالناشرة رنا إدريس أثناء معرض الدار البيضاء للكتاب، أخبرتني أنها بصدد قراءة رواية جميلة، وبتوصية منها قرأتها، كانت رواية مبهرة وغير مألوفة، ثمّ انتهى بنا المطاف إلى الاتفاق على ترجمتها. هو إذن اختيار قارئين أكثر منه اختيار ناشر ومترجم".

ربما يكون المترجم، بمثابة المؤلف الثاني للعمل يحول النص إلى نص حيّ في لغة جديدة، فكيف تتشكل العلاقة بين المترجم والمؤلف من خلال النص، لا سيما وأن أوغاوا سبق وأن ترجمت بنَفَس ولغة بسام حجّار؟ يبيّن حنا: "يمضي المترجم أثناء اشتغاله على الكتاب متوتّرا تنازعه عواطف متضاربة. يحاول المترجم قدر الإمكان إثبات ذاته ولكن في الآن نفسه عدم إبرازها بشكل يخلُّ بعمله كمترجم، هي علاقة ندية، ولكنّها في الوقت نفسه علاقة تكامل لا تماهٍ... وليست هذه المرة الأولى التي أتقاطع فيها مع فقيدنا بسام حجار، تشاركنا معاً تجربة أغوتا كريستوف، والكثير من الكتب كنت أرغب في ترجمتها واكتشفت أنه ترجمها، كانت اختياراته دوماً مبهرة.  عموماً هو مترجم رائع وأنا من أشدّ المعجبين به، لكن لكلّ منا طريقته، ولا بدّ للقارئ أن يلمسَ الاختلاف الذي نتمنّى أن يجد فيه غنى للنّصوص المترجمة وليس إفقاراً لها".

الصورة
شرطة الذاكرة - القسم الثقافي

 

وحول ترجمة الأدب الياباني وخصوصيته، لا سيما وأنه ينقل إلى العربية غالباً من لغة وسيطة، يوضح حنا لـ "العربي الجديد": "الأدب الياباني أثيرٌ عندي، خاصة تانيزاكي، وليست تجربتي الأولى معه، إذ سبق لي أن ترجمتُ قصصاً ضمن أنطولوجيا شاملة ستصدر في منشورات جامعية مغربية قريباً. هذه التجربة مختلفة بالطبع، لكنّني لا أظنّ وصف "مختلف" يصلح للتعبير هنا، لأنّ كلّ تجربة ترجمة هي مختلفة بالضرورة عن ما سبقها "لن تترجم النص الواحد مرتين".

أما أدب أوغاوا نفسه، فيصفه حنا بالقول: "أوغاوا تجربة مختلفة، وصوت متفرّد في الأدب الياباني، قطعاً هي ليست مدرسة مثل كاواباتا أو ميشيما، لكنّها صوت متفرّد، لا يشبهها أحد. اختلافها وقوّتها عندي تلخّص في أمرين: أصالة الفكرة والتقشّف الأسلوبي، هي من جهة تقدّم أفكاراً أصيلة وفي الآن نفسه غير ملتحمة تماماً بالنسيج الياباني، بحيث يستطيع القارئ أن يتصوّر أحداث الرواية وشخوصها ضمن أجواء غير يابانية، أجواء خاصّة به؛ كما أنها أسلوبياً تعبّر عن أشياء كثيرة بأقلّ عدد من الكلمات، وشخصياً أحبّ هذا... لكن قد يكون رأيي مجرّد انطباع خلّفه فيّ غرقي في هذا العمل".

المساهمون