"عاش هنا": كيف تُحوِّل مشروعاً إلى وسيلة ترضية وتزلُّف؟

"عاش هنا": كيف تُحوِّل مشروعاً إلى وسيلة ترضية وتزلُّف؟

19 يوليو 2023
كان طه حسين من أوائل الأسماء التي وُضعت لافتةٌ أمام مسكنها، قبل أن يتدهور المشروع
+ الخط -

"مشروع 'عاش هنا' يهدف الى توثيق المباني والاماكن التي عاش بها الفنانين والسينمائيين وأشهر الكتاب والموسيقيين والشعراء وأهم الفنانين التشكيلين والشخصيات التاريخية التي ساهمت في إثراء الحركة الثقافية والفنية في مصر عبر تاريخ مصر الحديث".

بهذه الكلمات، وبما فيها من أخطاء لغوية وتسرُّع في الصياغة أو تكاسُل في وضع الهمزات في أماكنها، يجري التعريف بمشروع "عاش هنا" على الموقع المُخصَّص له على الإنترنت. مشروعٌ أطلقته عام 2017 وزارة الثقافة المصرية، ممثّلةً بـ"الجهاز القومي للتنسيق الحضاري"، و"بالتعاون مع الجهات والمؤسسات الفنية"، وهو يقوم على وضع لافتات على واجهات المباني التي سكنت فيها شخصيات مصرية بارزة، مع نبذة عن أهمّ أعمال هذه الشخصيات وعن تجاربها وسيرتها، يمكن الوصول إليها عبر تصوير رمز الاستجابة السريعة (QR) الموضوع على اللافتات من خلال هاتف محمول ذكي.

قبل أيام، كشف محمد أبو سعدة، رئيس إدارة "الجهاز القومي للتنسيق الحضاري"، عن اقتراب المشروع من إنجاز 1000 لافتة، حيث أُدرجت في الأسابيع والأشُهر الأخيرة أسماءٌ عديدة، مثل القانوني فؤاد عبد المنعم رياض، الذي رحل عام 2020، والممثّلَين سمير غانم ودلال عبد العزيز، اللذين رحلا عام 2021.

ويبدو أنّ المشروع قد تحوَّل إلى نوع من التكريم المتأخّر، أو من قبيل جوائز الترضية لذوي بعض الشخصيات المصرية المعروفة، بعد أن كان قد بدأ مع أسماء شكّلت بالفعل إضافةً أساسية للثقافة المصرية وتاريخ البلد، وحتى للثقافة العربية عموماً، مثل طه حسين، ونجيب محفوظ، وسيّد مكاوي، وأم كلثوم، وزكي نجيب محمود، والشيخ إمام، على سبيل المثال لا الحصر.

يضيف القائمون على المشروع اسم حاكم الشارقة بجانب مئات المصريّين

وعلى الرغم من أنّ القائمين على المشروع شرحوا أكثر من مرّة الكيفية التي يُمكن من خلالها ترشيح أسماء لتُدرَس ملفّاتها قبل إقرار أو رفض وضع لافتة باسمها، إلّا أنهم لم يُعطوا صورة واضحة عن معايير الاختيار، التي تبدو فضفاضةً، إذا ما أجرينا مُقارنة سريعة لمختلف الأسماء المختارة، التي يحضر فيها رجال أعمال وضبّاط وشيوخ. 

ضبابية تُضافُ إليها اختياراتٌ غريبة، تتجاوز الترضية والتكريم المتأخّر إلى المحاباة والتزلُّف، مثل إضافة لافتة تحمل اسم "سموّ الشيخ الدكتور" سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، وذلك "تقديراً لسموّ شخصه الكريم، وعرفاناً بدوره المائز المتفرّد في دعم سموّه لكافة المبادرات العلمية والثقافية والإنسانية على الصعيدين: المادّي والمعنوي"، والذي يأتي "في طليعة الشخصيات التي يحرص المشروع على تكريمها وتخليد مآثرها النبيلة وعطائها المثمر"، كما نقرأ في صفحته على موقع المشروع. 

هكذا، إذاً، يحدّد المشروع أولوياته، مُهمِلاً الكثير من الأساسيات، مثل التحقّق من تواريخ وصفات بعض المذكورة أسماؤهم، كما جرى مع شاعر العامّية عبد الرحيم منصور، الذي اختار المشتغلون في "عاش هنا" تغيير تاريخ رحيله من 1984 إلى 1981، مع أنه شارك في العديد من الأعمال بين هذين التاريخين...

المساهمون