"حياة الترحال"... صحراء الطوارق وقطر وسهوب منغوليا

"حياة الترحال"... صحراء الطوارق وقطر وسهوب منغوليا

04 نوفمبر 2022
من المعرض (العربي الجديد)
+ الخط -

يستكشف معرض "حياة الترحال من منظور جديد"، الذي افتتح في 27 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي في "متحف قطر الوطني" ويستمر حتى 14 كانون الثاني/ يناير المقبل، حياة الرعاة الرحَّل وشبه الرحَّل في ثلاث مناطق: الصحراء الوسطى وقطر ومنغوليا.

أمامنا تفاصيل حياة اجتماعية وثقافية وروحية غنية لثلاث مجموعات من الناس؛ هي بدو الإموهار (الطوارق) في الصحراء الوسطى، والرعاة الرحّل في السهوب المنغولية، وأهل البر الذين عملوا في رعاية الماشية قبل اكتشاف النفط في قطر، في أكثر من 400 قطعة فنية، تشمل لوحاتٍ، وصوراً تاريخية، ولقطاتٍ أرشيفية وتاريخية مروية، بالإضافة إلى التصوير الفوتوغرافي المعاصر.


صور نمطية

الجولة الواسعة بين جنبات المكان تُدخلنا إلى ثقافات متنوّعة، وكلّ ما لديها أنها مختلفة، عكس التنميط الدارج في الفكر والثقافة الغربية عن البدوي البسيط الذي لا يقبل التغيير.

نتعرّف هنا إلى صور تراوح بين عالم غرائبي ساحر، يماشيه تشويه كبير من طرف الآخرين؛ سواء داخل مناطقهم أو من خلال النظرة التي تشكّلت في الغرب تجاههم، مقابل عالم تبنّى فيه الرعاة الرحل مجتمعات ذات ممارساتٍ وتقنياتٍ متطوّرةً للتغلّب على التحدّيات الأكثر قسوة وصعوبة في العالم.

عالم غرائبي ساحر تعرّض لتشويه كبير من طرف الآخرين

وتوضّح لنا مدوَّنات المعرض أنه، في بعض الأحيان، يخشى الآخرون البدو لاستقلاليتهم وقوّتهم، ويزدرونهم في الوقت ذاته لقسوة ظروفهم المعيشية. وفي أحيان أُخرى ينظرون إليهم بوصفهم محاربين أشدّاء وأشخاصاً قريبين من الطبيعة ونقائها. تَظهر هذه الصور النمطية بشكل مستمر في وسائل الإعلام والإعلانات والفن والسينما والأدب. وقد أسهمت بعض الأعمال الأكاديمية في دعم هذه الانطباعات.


استغلال الصورة

يُعرف بدو الصحراء الوسطى بالطوارق، ويطلقون على أنفسهم اسم إموهار، لكونهم يستحضرون للعالم رومانسية الصحراء ونبل الأحرار والتجوال وقوّة المحاربين.

استغلّ الأوروبيون خصوصاً هذه الصور في تسويق المنتجات على سكّان هذه المناطق مثل السيارات. نقف أمام نموذج من سيارة طوارق "التي تنتجها شركة "فولكسفاغن" الألمانية، والدراجات النارية (دراجة طوارق الإيطالية) وخيام الحفلات.

ومثلهم جرى تصوير المنغوليين بأشكال مختلفة في البداية على أنهم برابرة، ومن ثمّ تمجيدهم ووصفهم بالمحاربين الشجعان، وأخيراً بالشعب الرومانسي، لكونهم يعيشون في زمن ما قبل الحداثة أو خارج الزمن في بيئة برية غير ملوَّثة.

أمّا في قطر، فقد جاءت دراسة التراث الثقافي لسكان بر قطر بشكل غير كافٍ، وجرى التعتيم عليهم عالمياً من خلال وسائل الإعلام بسبب التطوّر والنمو السريع للبلاد والتمدّن. وتعكس لنا الأفكار النمطية أنّ أهل البر كرماء مضيافون، ولكن غير مهذَّبين.

من ضمن المعروضات في سياق التمثيلات النمطية أفلام سينمائية، مثل فيلم "لورنس العرب" (المملكة المتحدة عام 1962)، ولوحات وصور فوتوغرافية لمستشرقين.


بيوت الشَّعر والجير

بعد التعريف التاريخي بهذه المجتمعات، ندخل المساكن التي يعيش فيها الرعاة، وقد صُمّمت بطريقة تجعلها سهلة الإقامة والإزالة والنقل، تتطلّب معرفة مسبقة بتقنيات البناء، فضلاً عن الفهم الجيد للبيئة المحيطة لاختيار أفضل مكان للبناء.

بيوت الشَّعر في قطر والصحراء الوسطى خفيفة، حيث يسهل نقلُها على ظهر جمل واحد، وتُوفّر هذه الخيام لساكنيها الحماية من الرياح الباردة والعواصف الرملية.

وكما في أحد النماذج، نكون أمام بيت شَعر لأهل بر قطر، وهو يمثّل خيمة من مخيّم يضمّ ستّ خيمات أو أكثر تمتدّ في خط واحد أو على شكل قوس. تشمل المساحة المخصَّصة للمعيشة المنطقة المحيطة بالخيمة، وتنقسم المساحة الداخلية إلى قسمين: واحد للرجال والثاني للنساء.

الصورة
من المعرض (العربي الجديد)
من المعرض (العربي الجديد)

وعند المنغولي خيمتُه التي يسمّيها "الجير"، وهي من هيكل خشبي قابل للطيّ، يكون غالباً من خشب الصفصاف، ويتكوّن من باب وألواح خشب مغطّاة باللباد. وتُشكّل نصف الخيام في البلاد مساكن ثابتة على الأراضي المسيّجة، أما بالنسبة إلى الرعاة الذين يتنقلون موسمياً مع قطعانهم، ففي العادة تشتمل مساكن البعض على مبانٍ ثابتة مثل حظائر الحيوانات والمرافق وخيام التخزين الصغيرة.

يتناول المعرض ديكورات من أماكن العيش هذه، ويستكشف وظائف فضاءاتها الداخلية، مثل الحيّز المخصص لاستقبال الضيوف. وهذا الأخير تظهر فيه تقاليد الضيافة. فعند الطوارق يقدّمون للضيف أوّلاً وعاءً من الحليب ثم يليه الشاي، وفي قطر يستقبلونه في المجلس ويقدّمون القهوة والتمر، وعند المنغوليين الشاي مع الحليب والجبن أو الخبز المقلي.


العلاقة مع الحيوانات

تَظهر كذلك علاقة الرعاة بحيواناتهم. وعلى الرغم من أنّ العديد من الحيوانات تُوفّر التغذية الأساسية لهذه المجموعات، إلّا أنّ وظيفتها لا تقتصر على ذلك.

فالأغنام والماعز ترتبط بشكل وثيق بالرعاة، حيث تُوفّر لهم مصدراً رئيسياً للغذاء، وكذلك تُوفّر لهم الجلود والصوف، بينما تحظى الإبل بقيمة عالية، لارتباطها الوثيق بالمكانة الاجتماعية، وكذلك لاستخدامها في النقل.

في بعض الثقافات، تُعتبر الخيول ذات أهمية خاصة في التنقّل والرعي، كذلك فإنها تُمثّل تراث المجتمع وإرثه. أمّا الصقور فتُستخدم للصيد، وتشير أيضاً إلى المكانة الاجتماعية المرموقة. وبالنسبة إلى بدو آخرين، تحظى الكلاب والحمير بأهمية عالية.


بيئات الرحّل

يستمرّ المعرض في التركيز على علاقات مجموعات الرحّل ببيئاتهم، مبيّناً درايتهم بالطرق، واعتمادهم على التأمّل الدقيق لخصائص المناظر الطبيعية، وأنماط نموّ النباتات، وحركة الطيور والحيوانات وأنماط الرياح والطقس. ويتطرّق المعرض أيضاً إلى ندرة الموارد ومدى تأثيرها في اعتماد المجتمعات على الطبيعة لاستحداث العلاجات، وغير ذلك.


سرديات

كذلك نقف على ما تتمتّع به جميع المناطق الثلاث من تقاليد شفهية عميقة، يقدّمها المعرض من طريق سرد ثلاث قصص.

إحدى هذه القصص "سَنة الطبعة"، إذ لم تشهد قطر في تاريخها الحديث كارثة كتلك العاصفة الهوجاء التي ضربت منطقة الخليج عام 1925 أو 1926، وأدّت إلى غرق 80% من السفن والمراكب الشراعية، وسبّبت غرق الآلاف من صيّادي الأسماك وغواصي اللؤلؤ.


منسوجات

وإلى جانب ذلك، تُعرض المنسوجات، ضرورةً وشكلاً من أشكال التعبير عن القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد. وتتلاءم الملابس القطنية الخاصة بالرعاة الرحّل واحتياجات بيئتهم.

نرى في إحدى الصور نساء الطوارق يضعن قماشاً قطنياً فوق فساتينهن الملوّنة الطويلة، ويلففنه بمهارة حول الجسم، بينما يرتدي الرجال قمصاناً طويلة واسعة وسراويل فضفاضة، وتمنح أغطية الرأس النيلية المميّزة للرجال حماية من الشمس والرياح والرمال.

إضاءة على ما تتمتّع به المناطق الثلاث من تقاليد شفهية

ونعاين نماذج من "الديل"، وهو الزي الوطني المنغولي ذو الياقة العالية، ويُصنع من الحرير أو القطن أو الصوف، أو الديباج وفق اختلاف فصول السنة والمناسبات، ويُلبس مع وشاح من القماش أو حزام جلدي.


تغيّرات
أمّا القسم التالي، فيركّز على التغيرات السياسية والاقتصادية والبيئية التي أثّرت بحياة الرحّل. ومن الأمثلة على ذلك طريقة استغلالهم للموارد الطبيعية، مثل التعدين، والاضطرابات التي شهدتها البيئة بسبب تغيّر المناخ، والحدود السياسية ومدى تأثيرها بالمسارات الطبيعية للرعاة.

ويختتم المعرض باستعراض تطوُّر مجتمعات الرعاة عبر الزمن، مع تسليط الضوء على التغيرات المعاصرة في أسلوب الحياة ووسائل التنقّل. كذلك يدرس أساليب الحياة والأفكار والابتكار والإبداع لدى الرعاة الرحَّل، وكيف كانت مصدراً دائماً للإلهام لدى الشعوب والثقافات الأُخرى. وتنظر صالة العرض الأخيرة في التأثيرات التي طاولت الفنون والثقافة في يومنا هذا، من الموسيقى إلى الأزياء والهندسة المعمارية.

يُذكَر أن القطع الأصلية المعروضة مأخوذة من مجموعات "متحف قطر الوطني"، و"متحف لوسيل"، و"مكتبة قطر الوطنية"، و"متاحف قطر"، إلى جانب القطع المستعارة من متاحف دولية، من ضمنها "متحف منغوليا الوطني" في أولان باتور، و"متحف برانلي" في باريس، و"متحف العالم" في فيينا، ومؤسَّسات أُخرى.

المساهمون