جيرالد تشوكوما.. تراث نيجيريا ما بعد الحداثة

جيرالد تشوكوما.. تراث نيجيريا ما بعد الحداثة

04 ديسمبر 2021
(من المعرض)
+ الخط -

في روايتها "إفورو" التي نُشرت منتصف ستينيات القرن الماضي، قدّمت الكاتبة النيجيرية فلورا نوابا (1931 – 1993)، أول عملٍ أدبي حول ثقافة الإيغبو، الشعب الذي يعيش في بلدان الغرب الأفريقي، من منظور نسوي يعاين التحوّلات التي حلّت بمجتمعه وأفراده زمن الاستعمار.

يستعيد مواطنها الفنان والمصمّم جيرالد تشوكوما (1973) بطلة الرواية التي تحمل اسمها في معرض افتتح في "غاليري 1957" بلندن تحت عنوان "تمّ التقاطها في الوقت المناسب" في الثامن عشر من الشهر الماضي، ويتواصل حتى نهاية الشهر الجاري.

يضيء المعرض، الذي يضمّ منحوتات خشبية ورسومات سيرة إفورو كنموذج للمرأة القوية المستقّلة في مواجهتها، لحظة اجتماعية مضطربة تخلخلت خلالها قيم الإيغبو التقليدية بسبب إخضاعها لـ"حداثة" المستعمر، ورغم أنها فشلت في تحقيق حلمها بأن تصبح أُمّاً، لكنها اكتسبت تقدير الجميع حين قبلت الزواج - وهي ابنة زعيم إحدى القبائل - من دون مهر، مخالفِة بذلك عادات مجتمعها التي فضّلت أن تأخذ منها ما يحترم أنثوتها وإنسانيتها فقط.

يتبنى الفنان فكرة تحرير الفن والأدب من سلطة السوق

يوظّف تشوكوما معادن ومواد قابلة لإعادة التدوير، كما حال العديد من الفنانين الأفارقة الذي باتوا أكثر حساسية تجاه الأفكار والتقنيات المستخدمة في أعمالهم، التي تتعامل مع القضايا الاجتماعية والثقافية الراهنة مثل الأزمات البيئية والتطرف والتعليم والفساد السياسي وغيرها.

في هذا السياق، يلاحظ تأثّره بتجارب الفنانيّن النيجيري تشيك أنياكور (1939) والغاني إل إنتسوي (1944) في تبني أسلوب تجريبي ينتمي إلى مدرسة ما بعد الحداثة، من دون التخلّي عن مضامين سياسية واجتماعية تشغل مجتمعات القارة السمراء اليوم، حيث يشترك ثلاثتهم في نقش إيدوجرامات (رموز) وزخارف مستمدّة من اللغات الأفريقية القديمة في أعمالهم الإنشائية المصنّعة من الخشب والمعدن والقماش بشكل أساسي.

كما يستند تشوكوما في اختيار موضوعاته إلى تنظيرات الروائي والناقد النيجيري تشينوا أتشيبي (1930 – 2013) حول الشخصية الأفريقية والنضال من أجل تحقيق ذاتها، ليس في إطار الصراع الاجتماعي بين الطبقة العاملة والطبقات المحتكرة للثروة والصراع السياسي مع النخب الحاكمة المستبدة فحسب، إنما في سبيل تحرير الفن والأدب من سلطة السوق.

ويلجأ في معرضه الحالي إلى تقديم تصميمات معقّدة مستوحاة من مفهوم "التركيب أو التوليف الطبيعي" الذي يحاكي التنوّع المهول في تشكّل الطبيعة، حيث يستعمل مواد متعدّدة من الحبال والمعادن والأمشاط والأقفال والألعاب، وغيرها من الأدوات التي تصوّر النباتات والأشكال البشرية والحيوانية، وتكتمل رؤيته من خلال تنفيذ أعماله من دون مخططات ورسوم أوّلية، إذ تُبنى أجزاؤها وتتشكّل في تصميمها النهائي مع الوقت.

يُذكر أن جيرالد تشوكوما (مواليد 1973) تخرّج من "مدرسة نسوكا للفنون" في العاصمة النيجيرية؛ لاغوس، وبدأ حياته رساماً أقام العديد من المعارض في غانا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة واليابان، قبل أن يتوجّه إلى النحت وتصميم الديكور والأثاث.

المساهمون