بديعة بوحريزي.. موسيقى على مائدة يوغرطة

بديعة بوحريزي.. موسيقى على مائدة يوغرطة

08 سبتمبر 2021
من حفل لبديعة بوحريزي في 2019
+ الخط -

بشكل شبه كامل، توقّف المشهد الثقافي في تونس منذ أشهر مع سلسلة الإجراءات الوقائية من توسّع الموجات الجديدة من فيروس كورونا. لكن هذا الواقع قد ألهم بعض التظاهرات عدداً من الأفكار الابتكارية التي لا تتصادم مع جهود مواجهة الأزمة الصحية، من ذلك أن مهرجان "سيكا جاز" قرّر أن تقام عروضه هذا العام في عدد من المواقع الأثرية والطبيعية بالقرب من مدينة الكاف (شمال شرقيّ تونس) حيث يقام عادة.

هكذا تحوّل غياب الجمهور إلى قادح ذهني للبحث عن تنويعات تنظيمية حيث تتيح هذه الفكرة بناء مشهدية مختلفة ترافق العروض الموسيقية، فضلاً عن التعريف بالمواقع الأثرية والطبيعية، علماً أن فعاليات المهرجان الذي افتتح أوّل أمس ويتواصل حتى 13 من الشهر الجاري تبثّ جميعها عبر منصّات التواصل الاجتماعي.

من بين العروض المقدّمة حفل الفنانة بديعة بوحريزي في "مائدة يوغرطة" يوم 13 أيلول/ سبتمبر الجاري. وتبدو المحاولات الإبداعية التي تقدّمها بوحريزي منذ أكثر من عشر سنوات متساوقة مع خيار هذا الفضاء الطبيعي، وهو نجد جبليّ، عبارة عن صخرة مستوية القمة - ومن هنا تسمية المائدة - وبيضاوية الشكل، يبلغ ارتفاعها قرابة 1200 متر بمساحة 80 هكتاراً. 

يعتبر هذا المعلم من منسيات المشهد البصري التونسي، حيث إنه لا يأتي بالقرب من المسارات السياحية المكرّسة في تونس، التي لا تبتعد عن الشواطئ والمدن الكبرى أكثر من بضعة كيلومترات. كذلك إن السياسات الثقافية الرسمية تدعم المواقع الأثرية مثل قرطاج والجم والقيروان وسيدي بوسعيد على حساب المخزون الطبيعي، وقلّما يوضع هذا الأخير في الإطار الثقافي أصلاً.

بحثٌ عن أدوات فنية جديدة للتعبير عمّا في نفوس الناس من توق إلى الحرية

تشبه موسيقى بديعة بوحريزي "مائدة يوغرطة" في أكثر من وجه، بداية بالمسافة التي تفصلها عن المسالك المعبّدة للثقافة الرسمية، وصولاً إلى خياراتها الفنية التي تبحث عن تفرّد قائم على التجريب الموسيقي من جهة، والبقاء بالقرب من قضايا الناس وهمومهم. تصنّف الأغاني التي تؤدّيها عادة ضمن نمط "الأغنية البديلة"، لكنّ بوحريزي تتجاوز بعملها هذه التصنيفات، حتى إن البعض يتحدّث معها عن أفق إبداعي جديد... ما بعد الأغنية البديلة.

صحيح أن اسم بديعة بوحريزي قد لمع بعد "ثورة 2011" في تونس، لكن بداياتها سبقت ذلك، وهي فترة أتاحت لها الوصول إلى لحظة الزخم الثوري بكثير من النضج الأدائي، وهو ما جعلها تصنّف ضمن "أيقونات ثورة الكرامة" مع فنانين ومدوّنين وناشطين مثل لينا بن مهني ونادية خياري.

حضور بديعة بوحريزي فوق "مائدة يوغرطة" يعبّر أيضاً عن روح المغامرة التي تتسم بها أعمالها، في خلطتها المتقنة بين الأثر الغربي والجذور العربية، وفي البحث عن أدوات فنية جديدة للتعبير عمّا في نفوس الناس من توق إلى الحرية والكرامة والعدالة. لنتخيّل أغاني لها مثل: "بلادي"، و"خلف قمم الجبال"، و"إلى سلمى"، و"صيح"، من ذلك المكان الشاهق.. مائدة يوغرطة.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون