الكتاب في زمن الإبادة.. عن غزّة التي تقرأ في كلّ أحوالها

الكتاب في زمن الإبادة.. عن غزّة التي تقرأ في كلّ أحوالها

21 ابريل 2024
طفلة تحتضن كتبها بعد أن دمّر العدوان منزلها في خانيونس، 24 أكتوبر 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بيسان عودة، ناشطة من غزة، تشارك فرحتها بالعثور على كتب نجت من قصف مكتبة في خانيونس، معبرة عن أهمية القراءة في ظل الإبادة الجماعية.
- القراءة تعد ملاذًا لسكان غزة، حيث تساهم في الحفاظ على الروح المعنوية وتوفير الأمل. بيسان تعد بمشاركة آرائها حول الكتب التي تقرأها، محاولة استعادة روتينها السابق.
- منصة "أبجد" تعلن عن توفير الوصول المجاني لأكثر من 25 ألف كتاب لسكان غزة لمدة ثلاثة أشهر، استجابة للحاجة الماسة للمواد القرائية، مظهرة التضامن العربي وأهمية الكتاب في الأوقات الصعبة.

قبل قرابة شهر ونصف شهر، وفي اليوم الـ157 من الإبادة، نشرت المدوِّنة والناشطة الغزّية بيسان عودة مقطعاً في حسابها على "إنستغرام"، تُوثّق فيه فرحتها بالعثور على بعض الكتب التي اشترتها من بسطة كتُب أُقيمت ارتجالاً، بعد أن قصفت مروحيّات الاحتلال إحدى المكتبات في خانيونس.

بيسان، الحكواتية التي اكتسبت شهرتها قبل الإبادة الجماعية من خلال "بودكاست" وفيديوهات تروي فيها قصصاً عن فلسطين ومدنها وبالأخصّ غزّة، تقول في ذلك المقطع إنها أخيراً و"بعد مئة وسبعة وخمسين يوماً من الإبادة الجماعية في غزّة، وبعد أن تركتُ منزلي ومكتبتي، وجدت بعض الكتب"، حيث التقطتْ من تلك البسطة، التي تبيع محتويات مكتبة قصفتها مروحيّات الاحتلال قبل ذلك بساعات، كتابَين، أحدُهما جديد والآخر صادر عام 1964.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Bisan Owda (@wizard_bisan1)

ليس هناك الكثير من الخيارات المُتاحة، وليست لدى بيسان وأمثالها من شباب غزّة الشغوفِين بالقراءة والاطلاع رفاهية اختيار موضوع الكتاب، أو التصنيف الذي ينتمي إليه، فمقياسها لاختيار الكتب: أن يكون جديداً دون صفحات ناقصة، أي أن يكون قد نجا من ضربة قذيفة مباشرة، أو أن يحمل تفصيلاً مُميّزاً، كأن يكون تاريخ صدوره قديماً، فيكون كقطعة "أنتيكا".

يُمكن للقراءة أن تكون السلوى الوحيدة في هذا الوقت

تُضيف بيسان: "قبل هذا العدوان، كنتُ أقرأُ كتاباً على الأقل كلّ أسبوع"، وأنها قد خلّفت وراءها "مكتبة ضخمة" لا تعرف مصيرها الآن، ثم تَعِد متابعيها، وهي لا تستطيع أن تُخفي فرحتها العارمة بهذه اللُّقيا الغالية، أن تُخبرهم برأيها بالكتابَين حين تُتمّ قراءتهما كما كانت تفعل قبل العدوان، وفي أيام أقلّ وحشيّة من اليوم.

بيسان ليست وحدها التي حرمتها الحرب من أعزّ عاداتها، القراءة، حيث يمكن أن تكون القراءة السلوى الوحيدة في هذا الوقت المُستقطَع الخارج من الزمان، المرهون بالمقادير، الذي لا يُفيد فيه اجتهادٌ ولا سعيٌ، ويعزّ أثناءه ما يساعد على التحمّل وانتظار النجاة، وإبقاء الروح المعنوية عاليةً كما نصحت الشهيدة شيرين أبو عاقلة.

وقبل قرابة أسبوع، أشار الكاتب والمترجم الغزّي أنس أبو سمحان، عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى حديث كثيرين داخل مخيّمات النازحين في قطاع غزّة عن قلّة الكتب المتاحة أو صعوبة تحميلها بصيغة إلكترونية، وذلك لسوء شبكة الاتصال في المناطق التي يوجدون فيها. استغلّ أبو سمحان منصّته ليسأل مُتابعيه عمّن يمكن أن يوصل هذه الشكاوى إلى القائمين على تطبيق "أبجد"، وهو تطبيق عربي وموقع للقراءة الإلكترونية يُمكّن مستخدميه من تصفّح آلاف الكتب العربية والمترجمة، من خلال اشتراك شهري.

لم تمضِ سوى أيام حتّى أعلن القائمون على "أبجد" استلامهم المقترح، مؤكّداً أنه "سيبدأ في التفكير والبحث عن حلول تُسهّل القراءة على أهلنا في غزّة"، قبل أن يُعلن، الخميس الماضي، إتاحته "كُوداً" خاصّاً (GazaRead) يمكّن كلّ سكّان القطاع من الوصول إلى أكثر من 25 ألف كتاب تحتويها قاعدة بيانات الموقع مجانّاً طيلة ثلاثة أشهر.

وقد وجّه فريق الموقع تحيّة إلى أهل غزّة جاء فيها: "سلام لمن فقدوا أحبّاءهم ودورهم وذكرياتهم، طالما كان الكتاب أنيساً وسلاحاً وسلاماً ومواساة. تضامناً مع أحبّائنا في أرض الزيتون الغالية، واستجابة لمطلب أشقّائنا الغالين، عكف فريقُنا بالكامل لمُدارسة الأمر وكيفيّة تلبيته، وخرجنا بذلك القرار: أبجد مجّاني في كلّ مناطق القطاع".

على بساطة هذه المبادرة، فإنّها تلفت من جهة إلى طبيعة المجتمع الغزّي وسعيه الدؤوب للتشبّث بأسمى مظاهر الحياة، بينما يُواجِه مصيراً مجهولاً حيث تُمارَس ضدّه كلُّ جرائم الحرب، ومن جهة أُخرى تُشير إلى رغبة الطبقات الشعبية في البلاد العربية لأن يكون لها دَور، ولو رمزيّاً، في مساندة الغزّيين والوقوف معهم، مع غياب الدور الفاعل والمؤثّر لمؤسّسات النظام العربي الرسمي.


* كاتب فلسطيني مُقيم في ألمانيا

المساهمون