"باريس - أثينا": ذاكرة الافتتان الفرنسي باليونان

"باريس - أثينا": ذاكرة الافتتان الفرنسي باليونان

16 اغسطس 2021
من جناح الآثار اليونانية في متحف اللوفر (Getty)
+ الخط -

تحيي اليونان هذا العام المئوية الثانية لاستقلالها. وفي حين أنه يبدو مجرّد حدث سياسي قديم في بلاد الإغريق فإنه أقرب إلى حدث ثقافي في فرنسا، فحين نعود قرنين إلى الوراء سنعرف أن قضية استقلال اليونان لم تكن مسألة سياسية في بلد بعيد نسبياً، لقد كانت قضية ثقافية بالأساس: لا بدّ من استرجاع أوروبا بمنابعها الفكرية والفنية من الشرق الذي مثّلته وقتها الإمبراطورية العثمانية.

تزامن الترويج للقضية اليونانية، بمعناها السياسي، مع هوس بالآثار اليونانية، وباستعادة كل روح العصر الإغريقي القديم، من الفلسفة إلى الفنون النحتية. وقد سجّل عام 1821، إضافة إلى إعلان استقلال اليونان، وصول منحوتة "فينوس ميلو" إلى مجموعة متحف اللوفر في باريس.

نقف على الجهد البحثي الذي بات يؤثث معارض وتظاهرات كهذه

بمناسبة هذه الذكرى المزدوجة، بدأ متحف اللوفر في الترويج لمعرض بعنوان "باريس - أثينا" حول اليونان في الثقافة الفرنسية ينطلق الشهر المقبل على أن يمتد إلى شباط / فبراير 2022، وهو معرض يأخذ محورين: الأول هو عرض المحتويات اليونانية للمتحف الباريسي مع ذكر حكايات وصولها إليه حيث إن تلك الحكايات تعيدنا إلى زمن كانت فيه البرجوازية الفرنسية تعبّر عن ثرائها باستجلاب أغلى القطع الأثرية التي يعثر عليها المنقّبون في اليونان. أما المحور الثاني، فهو الأعمال الفنية التي استدعت الأفق اليوناني، وكان معظمها في فن الرسم الزيتي حيث إن تحريك مشاعر التضامن مع الشعب اليوناني في نضاله من أجل الاستقلال مرّ من إعادة قراءة تاريخ هذا البلد عبر الفن، تماماً كما فعل عصر النهضة الإيطالي حين عاد إلى الميثولوجيا الرومانية أو القصص التأسيسية للدين المسيحي.

بحسب تقديم المعرض، نقف على الجهد البحثي الذي بات يؤثث معارض وتظاهرات كهذه، فلسنا حيال معرض ينسّقه "كوميسير" يقف دوره على ترتيب المعروضات ضمن تصوّر ما للفضاء، وإنما نحن إزاء فريق بحثي يضمّ مؤرّخين وعلماء آثار وخبراء متاحف وباحثين في الفن، وهو ما يجعل من المعرض أقرب إلى مشروع تاريخي متكامل، صحيح أنه يعتمد على الآثار واللوحات، ولكنه يذهب إلى ما هو أبعد، وهو محاولة إعادة تركيب فضاء زمكاني متكامل.

يثير المعرض الكثير من القضايا، أبرزها هذه العلاقات العميقة التي تنشأ بين الشعوب على الرغم من البعد الجغرافي، كما أننا يمكن أن نتساءل عن موقف الحكومة اليونانية من هذا الاستعراض لآثار يونانية في متحف اللوفر، أليس من الأولى أن يعود هذا التمثال وغيره إلى وطنه الأم أسوة بمئات القطع الأثرية التي أخذت طريقها من متاحف المدن الأوروبية إلى مواطنها الأولى تحت ضغط عدد من الحكومات الأفريقية. أليس ذلك هو الشكل الحديث للتعبير عن تقدير اليونان في عصورها البعيدة التي أنارت الطريق لأوروبا الحديثة، كما يحبّ أن يؤكّد فنانو ومفكّرو النصف الأول من القرن التاسع عشر ضمن دعمهم قضية الشعب اليوناني.

المساهمون