مستقبل المصالحة الفلسطينية في عام 2018

مستقبل المصالحة الفلسطينية في عام 2018

29 ديسمبر 2017
+ الخط -
يطلق الفلسطينيون على التدابير السياسية والاجتماعية التي يتخذونها لمعالجة تركة أحد عشر عاما من الانقسام "بالمصالحة"، وهي التسمية غير الرسمية لنظام عدالة انتقالية مبسط وبدائي مقترح، ترعاه الحكومة المصرية.

وفي العادة، تقترح أنظمة العدالة الانتقالية حول العالم مجموعة من الإجراءات لتجاوز الثقل الذي يسحب المجتمعات نحو الأسفل دائماً، والذي نتج عن الخلافات السياسية وانتهاك حقوق الإنسان في فترة النزاع، مثل الملاحقة القضائية للمتسببين بانتهاكات حقوق الإنسان، وتعويض الضحايا وتخليد ذكراهم وعقد المصالحات المجتمعية، والبدء بعملية إصلاح مؤسسي شاملة، لكن كما يبدو فقد قررت حركتا فتح وحماس القفز مباشرة باتجاه الإصلاح المؤسسي مع تجاهل الآليات الأخرى ذات الأهمية، خاصة ما يتعلق بعملية دمج الموظفين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وإصلاح منظمة التحرير. 

الأمر الذي أفرغ محاولة تحقيق العدالة في فلسطين من مضمونها المعنوي المتمثل بغياب مظاهر النزاع والخلاف والرغبة بالانتقام وإلغاء الآخر، والتركيز فقط على المصالح السياسية والفئوية التي قد تتحقق لكلا الفريقين جرّاء هذا الاتفاق، لذلك في أفضل الحالات لا تعدو هذه المحاولة الفلسطينية شكلا من أشكال "تقاسم السلطة"، لا مظهراً من مظاهر العدالة الانتقالية، وهو أمر غير مُبشر. وعلى أي حال، لا يزال طرفا الانقسام يروجان للمسألة على أنها مصالحة شاملة، وإن كانا يشككان في نوايا كل منهما.

الدوافع لا تزال موضع شك!

يعتقد معظم الفلسطينيين أن شهر سبتمبر/ أيلول من العام 2017 كان غريباً، فقد حمل هذا الشهر دعوة مفاجئة لبّتها كل من حركتي حماس وفتح للمشاركة في جلسات ثنائية، نتج عنها اتخاذ حركة حماس قراراً بحل اللجنة الإدارية الحكومية، وهي لجنة فنية من القطاع العام مُكلفة من قبل حركة حماس بإدارة قطاع الحكم في غزة. 

وقد عانى هذا القطاع من انحسار كبير في التمويل قبيل حل اللجنة الإدارية، والذي كان يعتمد منذ العام 2014 على الضرائب بشكل أساسي لدفع رواتب الموظفين، حيث يبلغ متوسط التحصيل الضريبي لعام 2015 بين 55 إلى 60 مليون شيكل شهرياً، حيث يتم إنفاق 10% منها كنفقات تشغيلية للوزارات، في حين يتم إنفاق الباقي على فاتورة الرواتب. وهو ما انخفض بنسبة 20% نتيجة أزمة السيولة النقدية وانخفاض القدرة الشرائية للموظفين، جرّاء قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس باقتطاع ما قيمته 30% من رواتب الموظفين في العام 2017 كجزء من رزمة عقوبات شملت أيضا وقف إمداد قطاع غزة بالكهرباء.  

لقد فاقمت هذه الإجراءات أزمة الحكم في قطاع غزة، وأظهرت للقيادة الجديدة المنتخبة حديثاً في حركة حماس مدى هشاشة النظام الذي قامت ببنائه بعد سيطرتها على القطاع عام 2007، حيث إن إمدادات الكهرباء تستمر فقط لـ3 ساعات في اليوم. كما عجزت اللجنة الإدارية عن دفع الرواتب بانتظام. وتدفع للموظفين المتذمرين ما نسبته 40% من الرواتب كل 70 يوما، في قطاع يعاني من أعلى نسبة بطالة في العالم قدرت بـ43% من مجموع مواطنيه.

لقد طرحت هذه الأعباء تساؤلاً عميقاً لدى قيادة حركة حماس حول جدوى التمسك بالحُكم في قطاع غزة؟ في ظل الأعباء المالية الباهظة التي لم تعد الحركة قادرة على تحملها، فآخر موازنة عامة تم إعدادها من قبل المجلس التشريعي في قطاع غزة عام 2014 أظهرت حاجة الحركة لـ786 مليون دولار سنويا لتمويل أنشطة الوزارات والهيئات الحكومية، وهو ما لم تعد للحركة القدرة على احتماله! والذي قد يكون واحداً من أهم أسباب لجوئها للحوار مع حركة فتح مؤخراً. 

لكن ماذا عن السلطة الفلسطينية وحركة فتح؟ 

يمثل قطاع غزة أهمية سياسية واقتصادية كبيرة للسلطة الفلسطينية، فالقطاع حسب بيانات الموازنات العامة حتى العام 2006، وهو العام الذي سيطرت حركة حماس فيه على القطاع، كانت الإيرادات الضريبية والرسوم المحصلة منه تشكل 28% من إجمالي الإيرادات المالية للسلطة الفلسطينية. ففي ظل تقليص المساعدات المالية الدولية المقدمة للسلطة الفلسطينية بشكل كبير قد تعتبر المصالحة خياراً استراتيجياً ليس فقط على الصعيد السياسي.. بل الاقتصادي أيضاً. 

بينما يكمن الاعتراف، نظرياً على الأقل، بأن حركة فتح كحزب سياسي فلسطيني متحررة من القيود السياسية التي قد تعاني منها السلطة الفلسطينية في علاقتها مع حركة حماس، إلا أنه لا يمكن بشكل دقيق معرفة من الذي يحكم الآخر في الضفة الغربية، حركة فتح أم السلطة الفلسطينية، فالتداخل الكبير في صلاحيات الحكومة الفلسطينية واللجنة المركزية في حركة فتح وتولي أعضاء اللجنة المركزية في حركة فتح مناصب حكومية لا تمكّنك من فهم علاقة حركة فتح بالقيود السياسية والأمنية المفروضة على السلطة الفلسطينية جراء توقيعها على اتفاقيات اقتصادية وسياسية وأمنية مع الاحتلال. 

وبالتالي فإن الاعتبارات السياسية قد تبدو أهم أسباب فتور وبطء استجابة السلطة الفلسطينية وحركة فتح للمصالحة، فالسلطة غير قادرة على التصدي لأعباء قطاع غزة الاجتماعية والاقتصادية، دون تمويل دولي فعلي، وعلى الرغم من انتهاء الحرب على غزة منذ 3 أعوام، إلا أن 50% فقط من التعهدات لتمويل إعمار قطاع غزة هو فقط ما تم الإيفاء به. 

كما أن تعاظم قوة حركة حماس وتميّزها العسكري خاصة في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، قد يفرض على السلطة الفلسطينية تنفيذها لتعهدها بالتنسيق أمنياً مع إسرائيل حسب اتفاقية أوسلو، وتحمل التبعات السياسية لأي نشاط عسكري في قطاع غزة، لذلك قد تبدو غزة الخارجة عن شرعية الرئيس محمود عباس أكثر جاذبية وقبولاً له من غزة المنضوية تحت جناحه.

ماذا تواجه المصالحة في العام 2018؟ 

يعتبر اتفاق القاهرة عام 2011، الوثيقة السياسية الأكثر وضوحا حول ما تم التوافق عليه في سبتمبر عام 2017، إلا أن الاتفاق والذي يشير إلى تشكيل "لجنة إدارية وقانونية" لحل أهم القضايا العالقة، وهي قضية "إدماج الموظفين"، والتي قد تهدد نجاح اتفاق المصالحة برمته، حيث تتنامى حالة المعارضة الداخلية والشعور بعدم الرضى من قبل نقابة الموظفين التي تمثل موظفي قطاع غزة.

حيث يوجد في قطاع غزة أكثر من 30570 موظفا لا يتقاضون رواتبهم، وقد خلا اتفاق القاهرة عام 2011 من أي آليات واضحة تتعلق بعمليات إدماجهم في الحكومة الموحّدة، وفي حين يعزو قادة حركتي فتح وحماس عملية الإدماج لما يعرف بـ"الورقة السويسرية"، وهي ورقة أعدها خبراء سويسريون بهدف إدماج الموظفين في إطار مؤسسي واحد، فإنها لا تعدو كونها وثيقة مبادئ رخوة قد تصبح بحد ذاتها مشكلة.. مستقبلا!

قد لا يكون العام 2018 هو عام المصالحة إذا ما استمرت خطواتها بهذا البطء، بل على العكس تماما قد تضطر كل من حركتي فتح وحماس إلى اتخاذ خطوات إلى الخلف لمعالجة بعض القضايا الآنية.

D9D16F99-31C9-498E-8CF9-30C558B78EE7
عبد الله محمود شرشرة

محامي وباحث قانوني. يعمل خبيراً قانونياً في عدد من مؤسسات المجتمع المدني بقطاع غزة.