خبر عاجل في لبنان

خبر عاجل في لبنان

11 ابريل 2023
+ الخط -

"إطلاق صواريخ من جنوب لبنان نحو إسرائيل"، هكذا يقول الخبر العاجل، فهل تعوّدنا على هذا النوع من الأخبار العاجلة؟

ليس خبراً جديداً علينا، فهذا أمر يحدث من فترة إلى أخرى في لبنان. لكن واقع هكذا خبر، ونحن نعيش في الغربة، يصدح في القلب أكثر ويأخذ مداه في العقل أبعد وأبعد: هل ستأتي الحرب؟ هل يجب أن أحزم الأمتعة وأفكر بالرجوع؟

 تكثر الأفكار القلقة والتساؤلات بلا أيّ جواب، ثم يسود الترقب في أجواء غربة قسرية. نعم نحن نسعى إلى حياة أجمل، إلى أن نجني مدخولاً أكبر من عملنا، نسعى للحصول على إرضاء جميع من حولنا، ولرؤية وجوه أهلنا الفخورة بنا. لكن لبنان، هذا الوطن الذي ولدنا فيه، أجبرنا على أن نحتمل أكثر من قدرتنا على التحمّل، ولم يعطنا في المقابل الكثير من الخيارات: إما البقاء والرثاء، وإما الذهاب والشقاء. لم يكن خياراً، فمن أتيحت له الفرصة، صعد على أول طائرة ورحل. حقائب السفر لم تتسع لذكرياتنا، دموعنا وأشواقنا....

وقع أخبار البلد ونحن في الغربة تصيبنا بالتشاؤم. ربما هناك من تعوّدوا منّا، أما نحن فلا، ليس بعد. لسنا بخير ونحن بعيدون عن أهلنا. هل قلت "حرب" في بداية هذا المقال؟ والآن؟ ألا يكفي ما حصل ويحصل مع أهلنا كلّ يوم؟ فلا البلد قادر على خوض الحرب، ولا الشعب لديه القوة للتحدّي. استسلمنا لهذا الواقع المرير وتعوّدنا على فجائعه اليومية، تعوّدنا على الاستيقاظ كلّ يوم على أخبار انهيار الليرة اللبنانية من ساعة إلى أخرى، تعوّدنا على الأخبار السيئة كلّ يوم، وأصبحت الابتسامة فرض واجب علينا.

 استسلمنا لهذا الواقع المرير في لبنان وتعوّدنا على فجائعه اليومية

رغم هذا، عندما تسنح الفرصة ونرجع لرؤية أهالينا، يسألونني في العمل بعد أن أعود من زيارتي: لماذا أريد زيارة لبنان؟ لا أستطع أن أشرح لهم هذه العلاقة السامة بيننا وبين بلدنا. نحبّه ونكرهه، فعندما نبتعد نريد الرجوع وعندما نرجع نشتم ونريد السفر. كيف أشرح لهم ذلك؟ كيف أقول لهم أننا نخاف أن نخبر أهلنا إذا ما مرضنا! نخاف أن نقول لهم أننا لسنا بخير. كيف أشرح لهم أنّ ما حدث لأهلنا حطّمهم وحوّلهم إلى أشلاء تتنفس الصعداء؟

نحن في حالة حرب، ليست حرب صواريخ بل حرب نفسية، حرب بين أفكارنا ومشاعرنا، حرب موجعة أكثر بكثير من الرصاص والموت.

تقول صديقة لي لو أنّ الأمر بإرادتها لحزمت أمتعتها ورجعت إلى لبنان. هكذا بكلّ بساطة، هي ليست سعيدة بغربتها. أسمع الكثير من الأحاديث والحكايات عن أشخاص قرّروا السفر بعد عمر الثلاثين. لم تكن هذه الخطوة سهلة عليهم ومعظمهم غير مرتاح وسعيد في بلاد الاغتراب. ربما تختلف القصص لكنهم يُجمعون على أنهم قرّروا الرحيل مجبرين.

 إذاً، رحلنا في نهاية المطاف، ولكن الأخبار العاجلة لم تتركنا بحالنا، هي ترافقنا لتخبرنا كلّ يوم أنّ أهلنا ليسوا بخير، لنكتشف أننا وقعنا في الفخ. تخيّلنا أننا سنكون بخير ولكن القلق زارنا وأمسى صديقنا اليومي.

إذاً حرب؟ ها هي حربنا النفسية نتعايش معها كلّ يوم، مستعدين للأسوأ، وننتظر، ننتظر حصول الأسوأ كلّ يوم.

هم في لبنان ليسوا بخير، ونحن في الغربة لسنا بخير أيضا.

دلالات

مايا حيدر
مايا حيدر
مدوّنة لبنانية، درست الهندسة. تعرّف عن نفسها بالقول "واغتراب وبي فرح".