تداعيات "طوفان الأقصى"

تداعيات "طوفان الأقصى"

23 مايو 2024
+ الخط -

في اليومِ الأوّل من عملية طوفان الأقصى، قلنا إنّ فلسطين انتصرتْ في ذلك اليوم، والكثيرون يرون أنّ ذلك اليوم يمثّل بداية النهاية لزوالِ الكيان الصهيوني الغاصب. وأوّل ما يلفتُ انتباهنا اليوم هو الصبر والصمود الفلسطيني الأسطوري في مواجهةِ العالم الذي انقسم إلى فريقين؛ الأوّل، متواطئ يدعمُ الكيان الصهيوني وتقوده أميركا وبعض من دول أوروبا والمتصهينون العرب، وذلك من خلال الدعم المعنوي والمادي المفتوح للكيان المحتل، وتزويده بالمال والأسلحة والذخائر والطاقة والمواد الغذائية، ليس من دول الغرب فقط، بل أيضًا من دول عربية وإسلامية!

والفريق الآخر هو الفريق الذي خذلَ الفلسطينيين وخذل أهل القطاع بصفةٍ خاصة، وهذا الفريق يضم معظم القيادات والشعوب العربية والإسلامية التي لم تحرّك ساكنًا نصرةً لأهل غزّة الذين يتعرّضون لحربِ إبادةٍ شاملة.

وصحيح أنّ الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون فادحٌ، ولكن الدكتور محمد سليم العوا، يرى أنّ ذلك هو بداية الثمن فقط، وأنّ هناك أثمانًا باهظة يجب دفعها من أجل التحرّر من الاحتلال الصهيوني، والتاريخ يعلّمنا أنّ ثمنَ التحرّر من الاستعمار باهظ، ففي الجزائر وحدها سقط أكثر من مليون شهيد في سبيل الاستقلال.

كما أنّ ما حدث صباح السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شكّل صدمةً للجميع، وفي مقدّمتهم قادة الكيان الصهيوني، الذين لم يتوقّعوا حدوث ذلك الهجوم الذي كشف سوأتهم وعرّاهم، وأظهر فشلهم الاستخباراتي والعسكري، وفنّد أكذوبة الجيش الذي لا يُقهر. ومثّل أيضًا صدمةً للمتصهينين العرب الذين ركبوا قطار التطبيع، وسرّعوا من وتيرةِ التطبيع مع الكيان الصهيوني بإبرام الاتفاقيات التجارية، والاستقبال الرسمي لمسؤولين في حكومة الاحتلال. أيضًا، كانت معركة طوفان الأقصى صدمةً لمحور "الممانعة"، الذي ظنّ أنّه اشترى المقاومة بالدعم المادي الذي يقدّمه لها، فسُقط في أيديهم، وتبرؤوا من العملية، ونفوا أن يكونوا على علم بها.

النجاح الأكبر الذي حققته عملية طوفان الأقصى هو وقف قطار التطبيع الذي أوشك أن يصل إلى المملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول العربية والإسلامية

وعلى صعيد دولة الاحتلال، فقد قضت عملية طوفان الأقصى المباركة على مستقبل نتنياهو السياسي، وأفشلت وكتبت نهاية حكومته اليمينية المتطرفة، والدليل على ذلك الانشقاقات والاستقالات داخل الحكومة والخلافات بين أعضائها، والتي ظهرت للعلن، والدعوات لمحاكمة بنيامين نتنياهو وأعضاء في حكومته على إخفاقهم في السابع من أكتوبر.

ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من قادة الكيان الصهيوني، باتوا يترقّبون صدور أوامر اعتقال بحقهم من قبل محكمة الجنايات الدولية بتهمةِ ارتكاب جرائم حرب في غزّة، وذلك بعد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرة اعتقال بحقه هو ووزير الدفاع يوآف غالانت.

وسبب استمرار الحرب على غزّة لأكثر من 200 يوم، هو رغبة نتنياهو في تجنّب المحاسبة على ما جرى في السابع من أكتوبر، والفشل الاستخباراتي والعسكري الذريع للكيان الصهيوني في مواجهةِ بضع مئات من المقاومين الفلسطينيين.

التنبؤ بزوال الكيان الصهيوني

من جهةٍ ثانية، أعادت عملية طوفان الأقصى إلى الأذهان تنبؤات مفكرين وقادة بقرب زوال الكيان الصهيوني، ومنهم الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، والذي تنبّأ قبل ربع قرنٍ من الزمان بزوال الكيان الصهيوني في عام 2027، وذلك في مقابلة له مع الإعلامي أحمد منصور في برنامج "شاهد على العصر".

وكان المفكر الراحل، عبد الوهاب المسيري، صاحب موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، قد قال إنّ حلمه هو أن يشهد تحرّر فلسطين، وأنّ هذا الحلم سيتحقّق قريبًا.

الأحداث التي سبقت عملية طوفان الأقصى كانت تؤشر جميعها على أنّ مخطط إنهاء القضية الفلسطينية يسير بوتيرةٍ متسارعة نحو تحقيقِ أهدافه برعايةٍ أميركية ودعمٍ عربي، والدليل الأبرز على تصفية القضية هو تسارع وتيرة الاستيطان واغتصاب الأراضي في الضفة الغربية، ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين في القدس. كما كان هناك مخطط لتهجير سكان القطاع، في إطار مشروع القناة الصهيونية التي تربط بين خليج العقبة من ناحية الجنوب وبين البحر الأبيض المتوسط، والمشروع الصهيوني الأميركي لمواجهة طريق الحرير الجديد، وهذا المُخطّط ينطلق من الهند، ويمرّ بغزّة وصولًا للبحر المتوسط، وغزّة بمقاومتها وبموقعها الجغرافي تشكل حجر عثرة أمام هذا المشروع.

وأمّا على صعيد التطبيع مع الكيان الصهيوني، فالنجاح الأكبر الذي حققته عملية طوفان الأقصى هو وقف قطار التطبيع الذي أوشك أن يصل إلى المملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول العربية والإسلامية.

وأخيرًا، يمكن القول إنّ أحداث عملية طوفان الأقصى وتداعياتها المستمرة منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم، أثبتتْ بما لا يدع مجالًا للشك أنّ الكلمة العليا للمقاومة، وليس للسلطة التي لا تمثّل الفلسطينيين، وأن المقاومة في غزّة، وفي الضفة أيضًا، خيار شعبي، وهو خيار واقعي للتحرّر من الاحتلال الصهيوني الغاشم، بعد أن ثبت للجميع أنّ المفاوضات العبثية لم تحقّق للفلسطينيين شيئًا من المكاسب منذ اتفاقية أوسلو حتى اليوم، بل وتضاعف خلال هذه المدّة الاستيطان واغتصاب الأراضي، وازدادت فيها وتيرة الاعتداءات على المسجد الأقصى، وعلى الفلسطينيين.