اللغة الأم وما جنتْه الحروب

اللغة الأم وما جنتْه الحروب

28 فبراير 2022
+ الخط -

شهر فبراير/ شباط ليس خاصاً بالقطط فقط، بل هناك مناسبات تخص الإنسان فيه، كيوم العشاق، واليوم العالمي للغة الأم في الحادي والعشرين من هذا الشهر غير الكامل، وغير الفضيل.
اعتمدت منظمة التربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) هذا اليوم  من فبراير يوماً للغة الأم، وأقرّتِ الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك لاحقاً، حيث يُحتفل في جميع أنحاء العالم، بهذا اليوم لتعزيز الوعي بالتنوع اللغوي والثقافي، وتعدد اللغات، وتحقيق الاندماج، وتعزيز التسامح والسلام، واحترام الآخرين.

اللغات حسب يونيسكو تمثل أساس وجود المجتمعات، وهي الوسيلة التي تتيح حفظ، وصون الثقافات والمعارف، والتراث غير المادي.

أما عن كيفية تحديد هذا اليوم حصراً، وفي شباط تحديداً، دون غيره من الشهور، فتعود إلى ثورة البنغاليين في ما كان يُعرف بباكستان الشرقية، أي بنغلادش اليوم، ثورتهم على القرار الباكستاني بفرض اللغة الأوردية، ومنع التعليم باللغة البنغالية، مما أدى إلى استشهاد عدد من الطلاب البنغاليين في دكا على يد قوات الشرطة في هذا اليوم.

من حق الشعوب والقوميات أن تتواصل بلغاتها الأم، حتى وإن كانت تعتمد الصفير، وليس الكلمات، كما في قرية (كوشكوي) في شمال تركيا على البحر الأسود، حيث يتواصل الناس في ما بينهم بالصفير، أو لغة الطير (كوش ديلي)،كما يقولون باللغة التركية، ومن حق سكان هذه القرية المحافظة على هذه اللغة الفريدة، لذلك أدرجتها يونيسكو ضمن قائمة التراث العالمي.

هذا عن لغة محدودة الانتشار على مستوى قرية، أو منطقة صغيرة، فكيف يكون الأمر مع لغات يتكلمها الملايين، ويحتاج أبناؤها أن يكتسبوا معارفهم، ويكون تعليمهم بلغتهم الأم؟

ومن المؤسف أن الملايين في العالم تُفرض عليهم لغاتٌ أخرى غير لغاتهم الأم في التعليم، مما قد يؤدي إلى صعوبات في فهم، وتلقّي المواد المختلفة والمعارف، باعتبار أنهم لا يجيدون اللغات الجديدة. الأمر الذي يجعلهم يتسرّبون من التعليم، ويتركون المدرسة، وأكثر ما يظهر ذلك أثناء الحروب والأزمات، واللجوء إلى بلدان أخرى، كما حدث مع اللاجئين السوريين سواء في تركيا، أو في بلدان أوروبا، فهناك أكثر من مليون ونصف مليون طفل سوري في سن التعليم، وليس بمقدور هؤلاء الأطفال أن يتعلموا، ويدرسوا بلغتهم العربية.

هناك أكثر من مليون ونصف مليون طفل سوري في سن التعليم، وليس بمقدور هؤلاء الأطفال أن يتعلموا، ويدرسوا بلغتهم العربية

اللغة ليست وسيلةً وحسب، بل هي غاية بحدّ ذاتها أيضاً، بما فيها من جمالياتٍ يستمتع بها مَن يستخدمها ويتذوّقها، وهي الهوية، وبدونها ينعدم الوجود، فبقاء الشعوب اليوم رهْن لغاتها، لذا تجب المحافظة على اللغة من الاندثار، والضياع، وهناك لغاتٌ تموت كلّ يوم، حسب ما قالت منظمة يونيسكو. جميلٌ أن يتعلم الإنسان اللغات العالمية، بشرط ألا يؤثر ذلك على لغته الأصلية، وما نراه في بعض البلدان العربية محزنٌ للغاية، كأن تُستخدم اللغة الفرنسية بشكلٍ واسعٍ، ولاسيما في المغرب العربي، ولبنان . المتابع للقنوات اللبنانية، يصاب بالعجب العجاب من ابتعادهم عن اللغة العربية، فبين كل كلمة وأخرى يستخدمون كلمةً أجنبيةً، وخاصةً كلمة (سو) المُدللة عندهم، إلى درجة أن أحدهم قال : أموت، وفي نفسي شيءٌ من (سو)، لكثرة استخدامها، وقد يجمعون ثلاث لغات في عبارة واحدة، كما في (هاي .. كيفك .. سافا).

وبسبب (هاي .. كيفك .. سافا) لحّن وغنّى الفنان اللبناني شربل روحانا أغنيةً جميلةً تتناول هذا الموضوع، يقول فيها منتقداً: (هاي .. كيفك .. سافا من وين جبتا يا لبناني؟ بعد نائصها تشاو .. بتصفّي عالطلياني)

إلى أن يقول:
(عبّرْ عن فرحك بالعربي
عبّرْ عن حزنك بالعربي
غنِّ عن حبك بالعربي
صرّخْ عن غضبك بالعربي)

كل الشعوب تتعصب للغاتها، وتحافظ عليها، وتفتخر بها إلا نحن العرب نفاخر بلغات الآخرين، ونستخدمها في حياتنا اليومية، وقد يعتبرها بعضهم من موجبات التطور، والرقي الاجتماعي، وكأن مَن لا يرطن باللغات الأجنبية ليس متطوراً، ولا راقياً.

06F7E7A3-29C2-443B-8759-A2FE88B69CD1
حسام الدين الفرا

شاعر وكاتب ومدرس لغة عربية من سورية