إنهم يخشون كلمة فلسطين

إنهم يخشون كلمة فلسطين

14 فبراير 2024
+ الخط -

قبل سنوات، ومع كلّ عدوان وجريمة صهيونية جديدة ضد فلسطين والفلسطينيين، كانت المحطات العربية تُطلق العنان للأغاني الحماسية، وكان الفنانون يتسابقون على طرح أعمال فنية تشحذ الهمم، وتؤكد عمق الارتباط بالقضية المركزية والأولى لكلّ العرب؛ حتى إنّ هناك "أوبريتات" (جمع أوبريت)، مهمتها توحيد صوت هؤلاء الفنانين من أغلب الأقطار العربية، نذكر من أشهرها "الحلم العربي"، وبعدها بعشر سنوات جاءت "الضمير العربي"، وكلّها بالمناسبة تحت إشراف وبإنتاج الفنان أحمد العريان.

حتى على صعيد الدراما كنّا أمام "محاولات" لا بأس بها لتوثيق المأساة الفلسطينية؛ لعل أنضجها بالطبع مسلسل "التغريبة الفلسطينية" الذي حمل بصمة الثنائي الرائع الدكتور وليد سيف كاتبًا، والمخرج الفذ الراحل حاتم علي مخرجًا. واللافت أنه كسر حاجز التسويق الذي ظلّ يعترض مسلسلات بهذه النوعية، وجاب القنوات العربية طولًا وعرضًا؛ ونجح في ما لم ينجح فيه آخرون، طرحوا سيرًا ذاتية لشخصيات فلسطينية مقاومة مثل "عيّاش"، وأخرى مستوحاة من روائع أدبية خالدة على غرار "عائد الى حيفا" للمعلم غسان كنفاني.

المهم في تلك الحقبة، أنّ فئة واسعة كانت تسخر من ذلك الخطاب السائد وتصفه بـ"المتخاذل" الذي لا يختلف عن كارثة الشجب والتنديد والاستنكار الرسمية التي بدأت تتلاشى حتى صارت الأمور اليوم "على عينك يا تاجر"؛ وهنا تحضرني مقولة رائعة لإمام الساخرين العم جلال عامر، حين كتب بطريقته الساحرة "في رأيي المتواضع إذا حدث أي عدوان علينا «نحذف» إسرائيل بالمسلسلات".

ما أرمي الوصول إليه أنّنا، بالمقارنة بواقعنا المخزي اليوم، صرنا "نرثي" زمن الأغاني الثورية وعرضها في وقت الذروة؛ حتى صار الفنانون أنفسهم يعتبرون نشر "بوست " على مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بفعل مقاوم؛ والبعض الآخر يحذفه خوفًا على صورته، وأيضًا مستقبله كي ينال نصيبه من كعكة "موسم الرياض" وغيرها.

وصلنا الحضيض، ومازلنا ننتظر ما سيجود به أسفل السافلين

وصلنا إلى الحضيض، وما زلنا ننتظر ما سيجود به أسفل السافلين؛ ويحضرني ما عاينته مؤخرًا في مشهدين يختزلان محاولات طمس القضية الفلسطينية بشكل ممنهج ومشين؛ أولهما اطلاعي على بعض خطب أئمة المساجد في ذكرى "الإسراء والمعراج"، وكيف حاولوا جاهدين تغييب مصطلح "المسجد الأقصى"، والاقتصار على ما ألمّ بالرسول صلى الله عليه وسلم في عام الحزن دون السعي لاستكمال الشرح والوصول إلى حقيقة دامغة على اختيار تلك البقعة المقدّسة أرض المسرى، وهي منطلق المعراج لتكون إشارة إلى بقاء اتصال الأرض بالسماء من أرض الرباط والعزيمة والصمود، وأنّ النصر والانعتاق نحو الحرية قادمين لا محالة. 

هذا الإصرار الوثيق للتلاعب بالخطاب الديني؛ لا يختلف كثيرًا عما نراه في المشهد الفني والإعلامي العربي (وهذا ثاني المشهدين)، وخير دليل على ذلك ما حلّ بالفنان المصري الشاب، محمد إمام، لمجرّد أنّه وجه التحية لأهلنا الصامدين في فلسطين، حيث أوقفت شبكة "إم بي سي"، تصوير مسلسله الجديد "كوبرا"، وبالتالي خرج من السباق الرمضاني، وسُحب فيلمه الجديد "أبو نسب" من قاعات السينما السعودية رغم الإيرادات الجيّدة التي حققها؛ وقبله كان مواطنه محمد سلام ضحية رفضه المشاركة في التهريج والسخافة التي يرعاها "موسم الرياض" مع بداية المجازر الصهيونية بحق أبناء غزّة البواسل.

ختامًا، رغم كلّ التضييق وحملات الاستهداف التي نزعت رداء السرّية وصارت بكلّ وقاحة علنية نهارًا جهارًا، لن تفلح في كسر شوكة أهلنا المرابطين الصامدين، ولا في زعزعة ارتباطنا بهم؛ وما حدث بعد "طوفان الأقصى" أبلغ دليل على أنّ كلّ ما زرعوه من مكائد انقلب وبالًا عليهم، وتكفي جولة بسيطة على منصّات السوشل ميديا لكشف مدى تعلّق الأجيال الجديدة بفلسطين وقضيتها العادلة النبيلة التي تشكل امتحانًا يوميًا لضمير العالم.