الفساد يلتهم سورية

21 يناير 2015
نظام بشار الأسد التهم ثروات سورية وأفقر شعبها(فرانس برس)
+ الخط -
استغلّ نظام بشار الأسد الحرب الدائرة ليوسّع شبكة الفساد التي يقودها، عبر فتح الباب لأنصاره أمام مواصلة مسيرة بدأت في عهد والده، بالاستيلاء على ما تبقى من ثروات الوطن التي دمرتها الحرب، وفي الوقت نفسه حارب معارضيه عبر الحجز على أموال وممتلكات المعارضين لنظامه بتهمتي الإرهاب والفساد.
وكانت وزارة المالية السورية قد كشفت في إحصائيات حديثة، عن تجميد نظام الأسد خلال عام 2014، لحسابات 25 ألف شخص معظمهم من المعارضين، بتهم ملفقة بارتكابهم مخالفات مالية وتمويل الإرهاب.
ووصل عدد الدعاوى المتعلقة بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة، إلى 7 دعاوى بحسب إحصائيات قضائية في دمشق وريفها فقط، حسب إحصائيات رسمية.
ووصف المحلل الاقتصادي علي الشامي قرارات الحجز بالمخالفة للقانون، حيث لا يسمح لوزارة المالية ووسائل الإعلام بتعميم اسم المحجوز على أموالهم احتياطياً قبل صدور قرار قضائي، لأن ذلك يندرج في باب التشهير والنيل من سمعة الأشخاص بدون حكم قضائي.
وأضاف الشامي لـ"العربي الجديد": اعتمد النظام السوري أدوات ووسائل عدة لمواجهة الثوار ومؤيديهم، منها الفصل من العمل الوظيفي والحجز الاحتياطي، سواء بتهمة تمويل الإرهاب، أو دون ذكر السبب، وفي الوقت نفسه وسع النظام شبكة فساده ليلتهم ما تبقى من ثروات الوطن.

شماعة الحرب

وجاءت سورية في صدارة الدول الأكثر فساداً، حيث تقدمت مرتبتين على قائمة الفساد العالمي لتبلغ المرتبة الثامنة كأكثر دولة فاسدة في العالم لعام 2014، بعد أن كانت في المرتبة العاشرة عام 2013، بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية.
ووجد نظام بشار الأسد في الحرب طريقاً للفساد مستغلاً الحصار والعقوبات العربية والأوروبية التي صدرت عام 2012، ليوزع ما تبقى من الثروات والوكالات على شركائه، من أقربائه وحزب البعث والأمن، عبر تمرير ما يريد بعيداً عن المحاسبة والرقابة وبغطاء الحرب الوهمية على الإرهاب.
ويقول الخبير الاقتصادي حسين جميل: إن الرئيس والقائد العام للجيش بشار الأسد، امتلك كل الصلاحيات بعد أن ورث كل المواقع ومراكز صنع القرار عن أبيه، كما امتلك الحق في منح عقود الاستثمار والتنقيب على النفط والغاز، بل وبيع كل ثروات الوطن، بفزاعة الحرب وشعارات الهجمة الدولية على صموده وممانعته. وأشار جميل إلى منح الأسد عقود الكهرباء والمطاحن للإيرانيين والنفط والغاز للسوريين، ليستمروا في دعمه بالنفط والسلاح، بعد أن بدد كل المال والاحتياطي النقدي الأجنبي على الحرب والفساد، وبلغت ديون سورية الخارجية اليوم أكثر من 11 مليار دولار.

وراثة الفساد

وانعكس تراكم رأس مال الفاسدين وتحكم فئة محدودة بالثروات، سلباً على فئات الشعب، حيث تجاوزت نسبة الفقر في سورية 63% وأصبح أكثر من 16 مليون سوري تحت خط الفقر 6 ملايين منهم في فقر مدقع.
ويرى عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض أنور بدر، أن بناء الدولة الأمنية العميقة، التي أسسها الأب حافظ الأسد، اقتضى جعل الثروات والنفط من أسرار الدولة، شأنها شأن شراء الأسلحة بحجة إحداث التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، ما جعل سورية مزرعة خاصة للنظام، يحرّم على غيره، حتى معرفة أرقام عائدات القطاعات المختلفة، تماماً كتحريم معرفة ما ينفق على المؤسستين العسكرية والأمنية.
ويقول بدر: كل ما يقال حول أرقام الفساد والسرقات في سورية، هو محض تخمين وتوقعات، حيث لا يوجد في سورية إحصائيات رسمية منتظمة يمكن الاستناد إليها في رسم صورة محددة المعالم للفساد، وبحسب ما نشرت وزارة مالية النظام عام 2010، قبل انطلاق الثورة، فإن حجم الفساد المكتشف في 19 شهراً، بلغ خمسة مليارات ليرة سورية (134 مليون دولار). وذكرت الإحصائية أن عدد قرارات الحجز المالي الاحتياطي التي أصدرتها الوزارة خلال الفترة نفسها بلغ 2007 قرارات.
ويضيف بدر: تأتي وزارة المال في سورية على ما هو مسموح لها أن تذكره، فكل أموال النظام التي يتم تشغيلها عبر تجار وصناعيين، معروفين من قبل السوريين، أو حتى أموال أبناء خاله محمد مخلوف وغيرهم، هي من المحرمات على أي رقابة أو وزارة، حتى أن تحصيها أو تقترب منها.
ويؤكد بدر أنه حتى ما يقال عن تهريب الأموال إلى خارج سورية "150 مليار دولار" أو ما يوصف بالأموال المنهوبة المقدرة بأكثر من 30 مليار دولار لآل الأسد فقط، هي أيضاً توقعات مستندة إلى تقارير غير رسمية، بعد أن تعطلت الأجهزة الرقابية عن القيام بدورها في ظل سيطرة النظام عليها، وبالتالي لا توجد جهات موثوق بها داخل البلاد ترصد عمليات الفساد المتزايدة.
ويروي الخبير الاقتصادي سمير سعيفان قصة تشكل ثروة النظام السوري بأنها بدأت تتراكم بعد عام 1963 مباشرة، لكن بحدود ضيقة، وشهدت توسعاً بعد حرب أكتوبر عام 1973 حيث تخلص النظام وأعمدته من عقدة هزيمة يونيو عام 1967، فأقبلوا على الفساد بأوسع أشكاله، وشكلت أموال دعم الصمود التي قدمت من دول النفط العربية لدعم سورية في وجه عدوان الاحتلال الإسرائيلي مصدراً لهم.
وقال سعيفان لـ"العربي الجديد": إن نظام البعث قام خلال عامي 1964 و1965 بتأميم الشركات الصناعية والتجارية والخدمية والبنوك وجرد أصحابها من ملكيتها، كما صادر أملاك كبار ملاك الأراضي ومنح حق الانتفاع بجزء منها للفلاحين بينما أبقى مساحات واسعة أملاكاً للدولة.
ثم بعد ذلك تم تركيز السلطة السياسية والاقتصادية في يد النظام، ولا سيما في ظل الحرب الدائرة منذ 4 سنوات، وهذا ما مهّد لتضخم ثروات الفاسدين عبر وضع كل سلطات الدولة تحت تصرف الأسد.

مصادر الفساد

وحسب سعيفان، كانت أهم مجالات تحقيق الثروات هي "الكومسيونات" التي تتمثل في (إرساء مشاريع المقاولات، إرساء المناقصات، منح تراخيص الاستيراد، منح امتيازات التنقيب عن النفط، تخصيص الاعتمادات المصرفية للمستوردات، منح القروض، فلاحة "الاعتداء" على أراضي الدولة، كافة معاملات المواطنين مع مديريات التموين والضرائب والجمارك وأجهزة الأمن، وغيرها).
ويضيف سعيفان: كان تهريب السلع أحد المجالات الواسعة للثراء الفاسد. إذ كانت الدولة تحتكر استيراد جزء كبير من السلع، وفي الوقت نفسه لم تكن تلبي الاحتياجات الداخلية، مما يخلق حاجة لاستكمالها بواسطة التهريب عبر إمبراطورية الفساد.
المساهمون